الكتابة حول التعليم القضائي والقانوني مما يطول حولها الجدل بين المتخصصين من الشرعيين والقانونيين، لاسيما في تجربتنا المحلية، إذ إنه - ومع التسليم المطلق بأهميته في الإسهام في تحقيق نهضة تنموية شاملة، من خلال مشاركته الأصيلة في تقديم كوادر مؤهلة للقيام بمهماتها في خدمة المجتمع في حقل العدالة والتشريعات وتنفيذها والرقابة عليها - إلا أن الجدل لا ينفك عن وجود دراسات ومناهج قانونية لا يوجد بها إلا النزر القليل من مقررات الفقه والأصول ونحوها من علوم الشريعة التي لا يستغني عنها المتخصص في الشأن القضائي والقانوني. كما توجد في المقابل دراسات شرعية لا تمنح الملتحقين بها إلماماً بمداخل علم القانون، فضلاً عن تفاصيله وفروعه. وقد لاحظت أثناء مشاركتي في التدريس بكليات الشريعة والحقوق والمعهد العالي للقضاء في مراحل البكالوريوس والماجستير ما أحدثه مثل ذلك من انفصال في مخرجات التعليم؛ إذ أضحى دارس الشريعة المؤهل لمهمات حقوقية لا يلّم بأبجديات علم القانون، وفي المقابل فمعرفة دارس القانون للشريعة ضحلةٌ جداً؛ ما عادّ على سوق العمل بآثار سلبية. ومما يزيد الحاجة لمثل ذلك الواقع القضائي في المملكة الذي يتنوع بين المحاكم بكل تخصصاتها، واللجان المتنوعة ذات الاختصاص شبه القضائية، وكذا الأعمال القانونية المتعددة كالصياغة والاستشارة، وكل ما يرتبط بالمرافعة، الأمر الذي يتطلب عدداً من المهارات التي يجب أن يقدمها التعليم القانوني ويرسخها لدى الدارسين. وأدعو هنا لدرس بعض التجارب في الدول العربية التي سبقت منذ عقود لإنشاء كليات للشريعة والقانون تحافظ على القدر ذاته من مقررات الفقه والأصول والقواعد، كما تسعى لإعطاء الدارس ما تحتاجه سوق العمل من علم القانون والمعارف المتخصصة الأخرى من دون مزاحمة لمناهج الشريعة المقررة في أمثالها من كليات الشريعة، ولو تطلب ذلك تمديد دراسة البكالوريوس لخمس سنوات، وهو عين ما تنبهت له اللجنة العليا لسياسات التعليم قبل 45 سنة عندما أوصت في الوثيقة الصادرة عنها تحت البند (146) لعام 1390ه بأن تُعنى كلية الشريعة بالدراسات الحقوقية لتخريج متخصصين شرعيين حقوقيين لسد حاجة البلاد، وهو ما أكده قرار مجلس الوزراء رقم 167 وتاريخ 14/9/1401ه. ويبقى ملف التطبيق والتدريب المهني المحترف الملف الأهم للمتخصصين في الدراسات القضائية ضمن معايير تضمن الجودة والتميز، إذ من المؤكد أن سوق العمل في حاجة للمؤهلين القادرين على الاستجابة لمتطلبات سوق العمل القانوني، والذين يملكون في الوقت ذاته القدرة على التطوير المستمر واكتساب مزيد من الخبرات والمهارات. * محام ومستشار قانوني [email protected]