ثمة أحاديث جانبية تدور في الخفاء وفي العلن، على أنّ هناك حاجة ملحة لتطوير التخصصات الشرعية في الجامعات الوطنية، بحيث تصبح على سبيل المثال تخصصًا موحدًا في مرحلة البكالوريوس، ومن ثم من أراد التوسع أو التخصص أكثر عليه أن يتوجه نحو الدراسات العليا، تلك الأصوات تتعالى بعض الشيء وسرعان ما تخفت، خصوصًا أنّ هناك من يرى أنّ سوق العمل بات غير قادر على استيعاب كثرة التفرعات في التخصصات الشرعية فالتخصص الدقيق غير مطلوب على حد تعبيرهم في مرحلة البكالوريوس؛ لأنّ سوق العمل ينظر نحو الخريج من الكليات الشرعية بنظرة واحدة فسواء كان شريعة، أو حديث شريف، أو ثقافة إسلامية، أو دعوة، فالنظرة واحدة، لكن ماذا عن المناهج الشرعية في مرحلة التعليم العام، حيث هناك مواد شرعية عديدة، تدرّس للطالب تحمل موضوعات نظرية وربما هي بعيدة عن ملامسة شؤون الحياة عدا عن التكرار الموجود فيها بالموضوعات في مراحل مختلفة، تساؤلات ألقت “الرسالة” عليها ظلالًا عبر بعض الأكاديميين الشرعيين، وبعضًا من المفكرين والناقدين في هذا التحقيق التالي. يبتدئ الدكتور فهد العريني الأكاديمي والباحث في الشؤون الشرعية حديثه حول هذه القضية قائلًا: “أرى أنّ حصر الطلاب الشرعيين في مرحلة البكالوريوس في تخصص شرعي عام يعدّ اقتراحًا خاطئًا، إذ لا بدّ أن يتم تحديد عدة تخصصات في هذه المرحلة، لأنّ علوم الشريعة مكملات لبعضها البعض”، مؤكدًا أنّ الطالب يتمكن من خلال تخصصه من الاطلاع الواسع والمعرفة الجيدة، فعصرنا الآن يتجه بنا نحو التخصص في موضوعات معينة. ويشير العريني إلى أنّ الأصل في طالب العلوم الشرعية أنه يدرس ويقرأ العلوم الشرعية بشكل عام، ومن ثم بعد ذلك في مرحلة الدراسات العليا يتجه نحو العلم الجزئي، فتخصص “الكتاب والسنة” على سبيل المثال في مرحلة البكالوريوس وتحديدًا في الجامعات السعودية يمنح الطالب دراسة غالب العلوم الشرعية التي تؤهله بعد ذلك لمرحلة الماجستير والداكتوراة. وحول مدى احتياج مؤسسات العمل للتخصصات الشرعية يوضح العريني أنّ الشركات والمؤسسات في العصر الحالي تحتاج إلى تخصص شرعي يجمع ما بين علوم الشريعة من جهة، والعلوم الاقتصادية الحديثة كالمحاسبة، وإدارة الأعمال، من جهة أخرى، حتى يتمكن الطالب المتخرج من الكلية الشرعية الحصول على وظيفة في مؤسسات القطاع الاقتصادية. ويتحدث العريني عن التكرار الموجود في المناهج الشرعية في مرحلة التعليم العام (الابتدائي، والإعدادي، والثانوي)، قائلًا: “إنّ هذا التكرار الحاصل بالموضوعات، يعتبر تكرارًا توسعيًا في المعلومات، فمثل: موضوع نواقض الوضوء يعطى للطالب في المراحل الأولى مسألتين أو ثلاث فيها، وكلما تقدّم في المراحل التعليمية يعطى مسائل أخرى في هذا الباب، وهكذا”، ويوضح العريني أنّ الأسلوب المتبع في المناهج الشرعية لإيصال المعلومة للطلاب، يعدّ بمثابة الجرعات الدوائية التي تعطى لهم بالتدرج. ويصف العريني التكرار الحاصل في تلك المناهج بأنّه ليس هو التكرار المعروف بالعرف العام، فهناك تكرار يقوم بإعطاء معلومات متدرجة، ويراعي المرحلة التعليمية، إذ إنّ هذا التكرار في المعلومات فيه توسّع في المعلومات من مرحلة لأخرى. العالم يتجه للتخصص من جانبه يرى الدكتور عدنان باحارث، الأكاديمي والمفكر الإسلامي، أنّ العالم في الوقت الحالي يتجه إلى التخصص أكثر من العموميات، حيث إنّه من المفضل التوجه المبكر بالطالب نحو التخصص لأنّ الزمن بات يتطلب ذلك، لكن باحارث يشدد على أنّه لا ينبغي لسوق العمل أن يحكم التخصصات الشرعية، إذ إنّ الأصل أنّ هذه التخصصات هي من تحكم سوق العمل، فمهما كان الأمر فإنّ النقص العلمي في التخصصات الشرعية واسع جدًا، إضافة إلى أنّ سوق العمل بطبيعة الحال لن يستوعب جميع خريجي الشريعة. وحول الحاجة إلى صناعة برامج أكاديمية شرعية محترفة، ليضمن الطالب بعد تخرجه فرصة العمل، يؤكدّ باحارث أنّ الطالب لا بدّ أن يتخرج وهو قادر على الإنتاج، فالجامعة على حد قوله تبقى قادرة على أن تستوعب جميع التخصصات العامة والنادرة، والتخصص الشرعي ليس جزءًا من الحل، فهناك تخصصات أخرى تعاني من نفس المشكلة. ويقترح باحارث تجنب التكرار الموجود في المواد الشرعية بمرحلة التعليم العام، شريطة أن يتم تجنب مثل هذا التكرار في جميع المواد الأخرى، ولا يقتصر الأمر فقط على المواد الشرعية، مشيرًا إلى أنّه من الخطأ أن يتم الاقتصار على تجنب التكرار فقط في المواد الشرعية والأدبية وترك مثل هذا التكرار في التخصصات العلمية الأخرى، إذ لا بد أن يطال مثل هذا الأمر جميع المواد، لكنّ باحارث يرى أنّه إذا كان المقصود بالتكرار، هو توسيع المعلومة من مرحلة لأخرى، فهذا لا بأس به، فهو مع التدرج في إيصال المعلومة للطلاب، لأنّ في ذلك حاجة للطالب في ربط المعلومات السابقة مع بعضها البعض. ويقترح باحارث ربط التعليم العام (الابتدائي، الإعدادي، الثانوي) بالتعليم المهني، حتى يتسنى للطلاب المتخرجين أن يتأهلوا للانخراط بمهن مختلفة يخدمون من خلالها الدعوة الإسلامية، إذ لا بد أن يختلط التعليم النظري (العام) بالتعليم المهني حتى يتمكن الطالب من الإنتاج في سوق العمل. ليس حلًا سحريًا أما الدكتور عبدالله البريدي الأكاديمي والمفكر الإسلامي، فإنّه يرى أنّه ليس من المنهجية العلمية التعجل في إصدار حكم بالتأييد أو المعارضة لفكرة توحيد التخصصات الشرعية، قائلًا: “لست أعتقد أن حلًا سحريًا يكمن في “حشر” المجالات العلمية الشرعية في “تخصص واحد”، وإنما الحل يبدأ من إيمان الأكاديميين الشرعيين بأن التخصصات الشرعية ليست مقدسة بحد ذاتها، كما أنها ليست مطلقة ولا نهائية، وإنما هي اجتهادات لعلماء وأكاديميين سابقين، لهم وزنهم وفضلهم بلا شك”، مشيرًا في نفس السياق إلى أنّهم وضعوا أطرًا لتلك التخصصات الشرعية في ضوء ما يعتقدون أنّها محققة للمصلحة ومستجيبة للاحتياجات إبان وضعها. ويعتبر البريدي أنّ هناك ثمة حاجة ماسة لإعادة النظر في التخصصات الشرعية وإعادة هيكلتها في ضوء المستجدات في عالم التعليم العالي الحديث والتغيرات في الفضاء الثقافي والاجتماعي والسياسي، فضلًا عن التقنية التي أحدثت تغيرات كبرى في أساليب التعلم بل قوالب التفكير والتفاعل مع الكثير من معطيات الحياة المعاصرة، على أن يتم مراعاة احتياجات سوق العمل والمجتمعات العربية والإسلامية من التخصصات الشرعية. ويطرح البريدي تساؤلات عديدة موجهة للأكاديميين الشرعيين قائلًا: “كم مرة فكرتم بعمق وجدية باحتياجات سوق العمل والمجتمع من مخرجاتكم (خريجيكم)؟ كم مرة تعرفتم فيها على تلك الاحتياجات؟ وكم مرة قمتم بتحليلها بمنهجية علمية؟ وهل تملكون الأدوات العلمية اللازمة لذلك دون أن تقيموا جسورًا مع العلوم الاجتماعية والإنسانية التي تقدمت كثيرًا في تصنيع مثل تلك الأدوات؟ وكم مرة قمتم بمراعاة تلك الاحتياجات في مناهجكم ومقرراتكم وطرائق التدريس وأساليب التقويم في كلياتكم الشرعية؟ ونحو ذلك من الأسئلة”. ويتمنى البريدي أن يظفر بأجوبة صريحة عن الأسئلة السابقة، منوهًا بأنّ النقد الذاتي الذي يمكن لهم ممارسته حيال التطبيقات العملية جدير به أن يحقق نقلة جيدة في التخصصات الشرعية، فذاك هو النهج العلمي الذي تطور فيه التخصصات العلمية، مؤكدًا في نفس الإطار أنّه ما من أحد يعتقد أو يزعم أنّ التخصصات الشرعية معفاة أو مستثناة من الالتزام بتلك المنهجية، فالمجتمع يطالب بتخريج كفاءات تلبي احتياجاته، وهو مطلب عادل، لا سيما أننا في سياق تعليمي نظامي مقنن؛ يصرف عليه من بيت المال العام، موضحًا أنّ المجتمع له الحق في أن يطالب بخريجين يعاونه على تحقيق أهدافه ومن ضمنها الرفع بالمستويات الروحية المنتجة والأخلاق والتحضر، إذ لا بدّ من التأكيد على ضرورة أن تطال التخصصات الشرعية حركة تطوير معمقة، على أن تتلبس تلك الحركة بالمنهجية العلمية وتراعي ما سبق من النقاط المنهجية. ويشدد البريدي على أهمية أن تضمن المناهج الشرعية في الجامعات والمدارس وفي التعليم العام حدًا مقبولًا من اصطباغ التخصصات الشرعية بالقدرة على ترسيخ منهجية التفكير العلمي والنقدي وتعضيد روح التسامح والتوازن في النظرة للكون والحياة والإنسان والتحضر؛ شريطة أن يكون ذلك في ضوء ثوابت الدين ومحكماته وهداياته العظيمة، متسائلًا هل سنشهد فعلًا حركةً تطويريةً ناضجةً في التخصصات الشرعية؟. مكمن الإشكال من جهته يتساءل الدكتور سليمان الضحيان، الأكاديمي والناقد الثقافي: ما المقصود من مطالبة البعض التركيز على تدريس تخصص شرعي عام في مرحلة البكالوريوس؟؛ مؤكدًا أنّه ما يتم في الكليات الشرعية هو ذلك، فالمتخصص في مرحلة البكالوريوس يُدرَّس مبادئ العلوم الشرعية من دون تعمق؛ فهو يدرس العقيدة، والحديث، والفقه وأصوله، والتفسير، والنحو والصرف، وهي علوم لا بد منها لتكوين طالب العلم، موضحًا أنّها تدرّس بشكل مختصر حسب الكتب المقررة في الكليات الشرعية، والإشكال يأتي من بعض الأساتذة والأكاديميين حيث يتعمّق في شرح المادة ويتوسع حتى إنّ الكثيرين ينتهي الفصل الدراسي بهم وهم لم يشرحوا من المقرر ربعه. وحول مدى استيعاب سوق العمل لكثرة التفرعات في التخصصات الشرعية خصوصًا في مرحلة، يرى الضحيان أنّ الدراسة في مرحلة البكالوريوس ليس فيها تفرع وتخصص دقيق في الكليات الشرعية سوى في الجامعة الإسلامية، أما بقية الكليات فما يدرس فيها هو مبادئ العلوم الشرعية، وهي علوم يحتاجها المتخصص في الشريعة، و لا يستغني عنها سواء كان العمل في القضاء أو الإفتاء أو الدعوة أو هيئة التحقيق، أو التدريس، فالإشكال بحسب الضحيان يكمن في سوق العمل وليس نابعًا من التفريع في التخصصات لطالب العلم التي هي غير موجودة من وجهة نظري، فالإشكال إنّما هو بكثرة الخريجين، وهذا أدى إلى وجود أعداد فائضة عن حاجة السوق لم تجد لها مكانًا فيه. لكن الضحيان يؤكدّ الحاجة الملحة لصناعة برامج أكاديمية شرعية محترفة، تضمن للخريج فرصة عمل كريمة، منوهًا بأنّها تشكل نقطة ضعف في التأسيس العلمي للطالب في الكليات الشرعية، إذ تكتفي المناهج في تلك الكليات بكتب التراث، وهي كتب ألفت في عصور غابرة وكانت تلبي حاجات إنسان ذلك العصر، ويضيف الضحيان قائلًا: “إذا كنا لا نرى أن تخلو المناهج من كتب التراث ليتعرف الطالب على كيفية الاستفادة منها، إلا أنّه يجب أن يكون الحضور الأبرز للمؤلفات العصرية في تكوينه العلمي لتكون رافدا في بناء شخصيته العلمية وفقا لمتطلبات هذا العصر”. المواد تتكرر أما فيما يخصّ المناهج الشرعية في مرحلة التعليم العامة بالمدارس، والمقترح الذي يدعو إلى الاقتصار في تلك المرحلة على تدريس مواد شرعية للطالب تختص في الشؤون الحياة بدل من التكرار في مواد عامة تتكرر للطالب في مرحل مختلفة، فإنّ الضحيان يعدّ مثل هذا الاقتراح بالأمر الجميل، فالمشاهد اليوم على حد قوله يرى أنّ المواد تتكرر في كل سنة دراسية بشكل مختصر ومختزل، وهذا ما يشوش أذهان الطلاب، والمفترض من الناحية التربوية أن تخصص كل سنة لدراسة علمين شرعيين فتكون كل حصص الدين موجهة لهذين العلمين. التنوّع مطلوب وفي الإطار نفسه يعتقد الدكتور خالد المزيني الأكاديمي والباحث في الشؤون الشرعية أنّ هذا التنوع في مرحلة البكالوريوس ضروري، لأنّ تلك الأقسام تعد طلابها لوظائف وأعمال متنوعة، وبعضها يحتاج إلى الحد الأدنى من التأهيل الشرعي، وبعضها الآخر يحتاج إلى تأهيل شرعي متين. فالأقسام التي تخرج القضاة ونحوهم لا بد أن يكون تركيز الساعات العلمية في علمي الفقه وأصوله أقوى من تلك التي تخرج تربويين ومرشدين اجتماعيين وإعلاميين شرعيين وغيرهم من العاملين في المجالات العامة. ويضيف المزيني أنّ التنوع ضروري في مرحلة البكالوريوس، باعتبار أنّ تلك الأقسام تخرج حملة بكالوريوس قادرين على الانخراط في سوق العمل مباشرة، دون الحاجة إلى استكمال متطلبات مرحلة الماجستير، ومن كان قادرًا منهم على مواصلة الماجستير فسيكون المجال أمامه متاحًا فيما بعد. لكنّ المزيني لا يرى أنّ التخصصات الموجودة في الوقت الحالي هي تخصصات دقيقة، فعلى سبيل المثال هناك برنامج تخصص الشريعة في قسم الشريعة بجامعة الإمام محمد، هذا البرنامج يخرج إلى سوق العمل مؤهلين للعمل في عدد من المجالات، كالقضاء والتعليم والحسبة والمحاماة والتحقيق والادعاء العام والاستشارات الشرعية والدعوة والإرشاد، وغيرها من المجالات، فهذا بحد ذاته ليس تخصصًا دقيقًا بالمعنى الوظيفي، وإن كان يتميز بالصرامة والجدية في بناء الطلاب شرعيًا، موضحًا أنّه ومع ذلك هناك مجال واسع للتطوير الأكاديمي لهذه البرامج بما يتوافق مع حاجة العصر وطبيعة التخصصات المطلوبة. التطوير مطلوب وحول المناهج الشرعية مرحلة التعليم العام، والحاجة إلى تدريس مواد شرعية للطالب تختص بشؤون الحياة يرى المزيني أنّه وبلا شك التطوير، وتحويل المواد من الجانب النظري إلى ملامسة الحياة اليومية للطالب أمر مطلوب، موضحًا أنّه ومع ذلك هناك مستوى من التأسيس النظري مطلوب في جميع الاختصاصات، وخصوصًا في العلوم الشرعية التي يحتاج الطالب لأن يكون ملمًا بتفاصيل الشعائر التي يمارسها، ويكون واعيًا بالضروري من الأحكام الشرعية العامة للمعاملات السائدة، وكذلك ما يتعلق بالاعتقاد والإيمان، فهذه مستويات نظرية لا بد من المحافظة عليها، مستدركًا في نفس الوقت أنّ من آفاق التطوير أن يضاف إلى هذه المقررات الشرعية عدد من المهارات والمعارف العصرية التي لا بد للطالب منها في حياته اليومية. **************** آل زلفة: القسم “الشرعي” في مرحلة التعليم العام لم يكن معروفًا في المناهج التعليمية أما الدكتور محمد آل زلفة عضو مجلس الشورى سابقًا، فإنّه يؤكدّ أنّه ومنذ زمن وهو يطالب بتطوير الكليات الشرعية في الجامعات، فهي بحاجة إلى أن يعاد النظر فيها، لأنّه على حد قوله جدّ على البلاد والمجتمع الكثير من القضايا التي لم تتناولها المصادر التي اعتمد عليها طلاب العلوم الشرعية في دراستهم، منوهًا في الوقت نفسه بأنّ هناك قضايا كتلك المتعلقة بالاقتصاد والتأمين، لا يملك الشرعيون، أو خريجو الكليات الشرعية المهارات الكافية للإجابة عنها، وهذا سببه الاعتماد على التراث القديم من قضايا البيوع التقليدية. ويعتبر آل زلفة أنّ مبدأ التخصص في الكليات الشرعية هو الأمثل بالنسبة لطلاب مرحلة البكالوريوس، مؤكدًا في الوقت نفسه أهمية اعتنائهم بالمستجدات الحديثة، كالقانون الدولي، والاقتصاد، والفلسفة، إذ لا بد من تطعيم كلية الشريعة بالعلوم الحديثة كما هو الحال في كليات الشريعة الموجودة في الأردن، وسوريا، ومصر، حيث يتخرج الطالب وقد جمع ما بين تخصص شرعي وقانوني في نفس الوقت، مما يجعله قادرًا على التعاطي مع الواقع الحديث بشكل أكثر. ويرفض آل زلفة فكرة توحيد التخصص في المجالات الشرعية، في مرحلة البكالوريوس، قائلًا: “لا بدّ على الطالب أن يركز في دراسته الشرعية على تخصص واحد، وذلك لكي يسهل على الطالب العمل في مجال معين، ولكي يؤهله للحصول على فرصة عمل تتناسب مع طبيعة تخصصه”. ويستغرب آل زلفة من وجود القسم “الشرعي” في مرحلة التعليم العام (الثانوية)، إذ إنّ مثل هذا القسم لم يكن معروفًا في المناهج التعليمية بالمملكة، موضحًا في نفس السياق أنّ ظاهرة الصحوة هي أحد أسباب وجوده، كما يطالب آل زلفة وزارة التربية والتعليم بضرورة العمل على إلغاء هذا التخصص، لأنّه ليس له محل من الإعراب، إضافة إلى مطالبته بأهمية تطوير المناهج الشرعية لكي تكون ملائمة بشكل أكثر مع الحياة المعاصرة. ويرى آل زلفة أنّ كثيرًا من المواضيع الفقهية التي تدرس في مناهج التعليم العام بعيدة بشكل كبير عن الحياة العامة، فترى بعض القضايا غير موجودة في قاموس الحياة، حيث إنّه من وجهة نظر آل زلفة ينبغي التركيز على قضايا تفيد المجتمع، وتكون ضمن رؤية شرعية معاصرة، مشيرًا إلى أنّ الطالب لا بد أن يعرف أنّ هناك مدارس فقهية متنوعة، تختلف في نظرتها للأحكام الشرعية عن بعضها البعض، فلا بدّ ألا يكون الطالب أسيرًا لوجهة نظر أحادية. وحول قضية تطوير المناهج الشرعية للطالب الجامعي، يردّ آل زلفة قائلًا: “هناك على سبيل المثال ثلاث مواد شرعية تعطى للطالب في الجامعات السعودية، وكلها تحمل اسم الثقافة الإسلامية”، حيث يدعو آل زلفة شخصيًا العمل على إعادة النظر فيها، وإلغائها لأنّها تضيّع على الطالب 9 ساعات من دون أن تعود عليه بالفائدة، وخصوصًا طلاب الطب والهندسة الذين يجبرونهم على دراسة هذه المواد، مقترحًا أن يتم إحلال مواد أخرى غير تلك المواد تركز على توعية المهندس أو الطبيب، في كيفية معاملة الناس أو المرضى من ناحية إسلامية، وهذا يعود بالنفع على الطالب في مجال تخصصه وعمله، ليكون داعية عصره في تخصصه.