في الصورة التذكارية لقادة دول «مجموعة العشرين» في سان بطرسبورغ الأسبوع الماضي، وقفت الرئيسة الأرجنتينية كريستينا كيرشنر قرب مستضيف القمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مرتدية زياً أسود أنيقاً. لونٌ لم تخلعه منذ وفاة زوجها الرئيس السابق نيستور كيرشنر عام 2010. قد تكون كيرشنر انتهزت فرصة وجودها في روسيا لتستفيد من «خبرة» بوتين في قمع المعارضة، على رغم أنها «لا تقصّر» في هذا الصدد، إذ شددت حملتها الضارية على مجموعة «كلارين» الإعلامية المناهضة لها، سعياً إلى تفكيك امبراطوريتها، بحجة حرية الإعلام وتعدديته. تحاول كيرشنر خنق «كلارين»، من خلال الضغط على مؤسسات ضخمة لمنعها من نشر إعلانات في مؤسساتها، ما يهدد بقاءها. وإذ تحجب «الرئيسة»، كما تهوى تسميتها، إعلانات رسمية عن «كلارين» ومجموعات إعلامية أخرى لم تنصعْ لأهوائها، بينها صحيفتا «لا ناسيون» و «برفيل»، تُغرِق وسائل إعلام موالية بتلك الإعلانات، أو تشتري ذمم بعضها، عبر أموال عامة. وتنظر المحكمة العليا في قانون جديد للإعلام أقرّته الحكومة عام 2009، معتبرة أنه يعزّز المنافسة، من خلال منع الاحتكارات، عبر تقليص عدد التراخيص التي تملكها أي مجموعة إعلامية، إلى 24، علماً أن ل «كلارين» 250 ترخيصاً. حملة الترهيب التي تطاول «كلارين»، شملت دهم مصلحة الضرائب مقرّها الرئيس، فيما منعت نقاباتٌ توزيع صحفها، وسط تشكيك معسكر كيرشنر في صدقيتها، ونعت «الرئيسة» أحد صحافييها بأنه «نازي». صحيح أن ل «كلارين» موقعاً مهيمناً على الإعلام في الأرجنتين، لكن أحداً لن يصدق أن كيرشنر تسعى إلى إغناء المشهد الإعلامي في البلاد، لا تعزيز قبضتها عليه وإخضاع الصحيفة المتمردة، إذ أن القيود التي تسعى إلى فرضها عليها، لا تسري على وسائل الإعلام الموالية للحكومة. بل أن كيرشنر حرمت شبكات «كلارين» بثّ مباريات كرة القدم المحلية، مبددة مئات ملايين الدولارات من أموال الدولة، لعرض المسابقات مجاناً. «كلارين» أضخم مجموعة إعلامية في الأرجنتين، وصحيفتها هي الأوسع انتشاراً في أميركا اللاتينية، وثاني أبرز صحيفة ناطقة بالإسبانية في العالم. كانت حليفة لمعسكر كيرشنر، إذ اعتبرت انتخاب نيستور كيرشنر رئيساً عام 2003 «أملاً جديداً» للبلاد، إثر مرحلة شديدة الاضطراب. لكن حلفهما انفكّ عام 2008، حين ساندت الصحيفة، وهي أحد أبرز منظمي أضخم معرض زراعي في الأرجنتين، إضراباً نفذه المزارعون احتجاجاً على رفع كريستينا كيرشنر التي كانت انتُخِبت لتوها رئيسة، الضرائب على الصادرات الزراعية. تتراكم المشكلات على «الرئيسة»، إذ أن التضخم يُعتبر بين الأعلى في العالم، وسط صعوبات معيشية متفاقمة أجّجت تذمراً شعبياً، تجسّد إضراباً عاماً ضد سياساتها عام 2012. وتخوض كيرشنر الشهر المقبل امتحان انتخابات التجديد النصفي للبرلمان، بعد تلقيها صفعة في الانتخابات التمهيدية لاختيار المرشحين الشهر الماضي، وصعود نجم سيرخيو ماسّا المنشق عن حزبها. كما اتهمت حلفاء سابقين، بأنهم «أعداء» و «خونة». وتكتسي هذه الانتخابات أهمية حاسمة بالنسبة إلى كيرشنر، إذ تمهّد لانتخابات الرئاسة عام 2015، وسط تكهنات بسعيها إلى تعديل الدستور لتترشح إلى ولاية ثالثة، بعدما أجهضت وفاة زوجها عام 2010، مخططاً لتناوبهما على الحكم، في استنساخ لتجربة بوتين وديمتري مدفيديف في روسيا. في أيار (مايو) الماضي، أحيت كيرشنر ذكرى مرور 10 سنوات على توليها وزوجها السلطة، اعتبرتها «عقد نصر»، داعية أنصارها إلى «الفوز بعقد جديد لاستلحاق 50 سنة من تخلّف وفقر واستدانة وسياسات سيئة». لكن المعارضة ترى «عقداً ضائعاً»، بعد فضائح فساد أزكمت الأنوف، إذ يتهم وزير الاقتصاد السابق روبرتو لافانيا كيرشنر بأنها «بدّدت، بشعبوية ديماغوجية، أسس نموٍ مستدام ل25 سنة على الأقل». أما الصحافي خورخي لاناتا، مؤسس صحيفة «باخينا 12» اليسارية وأحد ألمع الإعلاميين في الأرجنتين، فيكشف في برنامج أسبوعي على شبكة تابعة ل «كلارين»، معلومات عن اتهامات لكيرشنر ومعسكرها بفساد، تضم أسماء وأرقاماً ووقائع، تطاول أيضاً زوجها الراحل الذي حكم البلاد بين عامي 2003 و2007. واتهم لاناتا كيرشنر بإخراج 55 مليون دولار من البلاد، عبر طائرات، لافتاً إلى تضخّم ثروتها وزوجها الراحل من 6 ملايين بيزو (850 ألف يورو) عام 2003 إلى 70 مليوناً (نحو 10 ملايين يورو) عام 2011. يُحسب لنيستور كيرشنر أنه ورث بلداً مفلساً، يدين ب81 بليون دولار، وتنهشه فوضى سياسية وعنف وفقر. لكنه انتشله من انهيار محتم. انتهج كيرشنر أسلوباً سلطوياً في الحكم، تحوّل استبدادياً خلال عهد زوجته النهِمة إلى السلطة والثروة، والمهووسة بالتشبّه بالراحلة إيفيتا بيرون. تحيط كيرشنر نفسها بمتملقين، ولا تتردد في استغلال قضية جزر «مالوين» (فوكلاند) لصرف الأنظار عن مشكلات الأرجنتين وتأجيج مشاعر قومية، ربما سعياً إلى تحقيق شعار «كريستينا إلى الأبد» الذي يرفعه أنصارها.