فتحت المحاضرة التي قدمها الدكتور معجب الزهراني في نادي مكةالمكرمة الأدبي أخيراً، بعنوان «صور مكةالمكرمة في كتاب الفرنسي كورتيلمون وتامييزبيه»، نافذة على قضية الجمعيات الجغرافية والتاريخية، ودورها في ترجمة مدونات الرحالة الغربيين وجمع شتاتها، للاستفادة منها كوثائق تاريخية وأدبية. وقال الزهراني: «إن مكةالمكرمة التي حفتها القداسة، كونها تحتضن بيت الله العتيق، ونزل بها الوحي، وانطلقت منها رسالة الإسلام، تحولت إلى قبلة لخُمس سكان العالم، ما أسهم في تحفيز الرحالة الغربيين لاستكشافها والكتابة عنها، فتوافدوا منذ 300 عام وكتبوا مدونات لا تقل عن وصف مصر، إذ إن ما كتب عن الجزيرة العربية لا يقل عن ذلك». مفسراً الاهتمام الغربي بدفع الرحالة إلى الجزيرة العربية بشكل عام ومكةالمكرمة بشكل خاص «إما من منطلق أداء مهمة عمل رسمية أو لغاية سياسية، أو أن يكون لدى هؤلاء الرحالة نوع من شغف الاستكشاف ومن بين هؤلاء متثقفون كبار وأدباء». وأوضح أن مدونات الرحالة «لم تتحقق فيها الأمانة من ناحية ترجمتها إلى العربية»، مبيناً أن كورتيلمون رغب في زيارة مكةالمكرمة «لنواحٍ عاطفية وروحية أولاً، بعد أن هداه الله إلى الإسلام، ولهروبه من طبيعة الحياة المادية والصناعية، ولقناعته بأن الحياة الهانئة تظهر بجلاء خارج ذلك الإطار». وكشف الزهراني عن اعتناق كورتيلمون الدين الإسلامي بسرية «إذ كشفت وثيقة تاريخية هذا السر وحوّل اسمه إلى عبدالله البشير، ولما بلغ ال30 من عمره دخل في استثمارات تجارية لم تدم طويلاً وانهارت، ما دفعه إلى الاتجاه إلى ميدان الثقافة فأسس داراً للنشر وكان مولعاً بالكاميرا، فطور كثيراً من تقنيات التصوير الملون، ومكّنه ولعه بالتصوير والثقافة من إصدار مجلة «الجزائر المصورة»، وأصبح محترفاً للتصوير، فأصدر خمسة إصدارات مصورة عن مدن في شمال أفريقيا، لكن مشروعه في نظره ظل ناقصاً». وفي المداخلات تمنى الدكتور يوسف العارف عرض صور من التي وثقها كورتيلمون عن مكةالمكرمة. وقالت الدكتورة عواطف نواب إن المهمة الأولى لكورتيلمون في رحلته إلى مكة دراسة «أسرار التغير الذي يطرأ على الحجاج الجزائريين الذين يعودون إلى الجزائر، ويدفعهم إلى منازعة الحاكم الفرنسي»، مؤكدة أن رحلة كورتيلمون «رحلة تجسس بالدرجة الأولى». وأكد الدكتور فواز الدهاس، الذي أدار المحاضرة، التعامل مع مدونات الرحالة بعناية فائقة، وعدم أخذ المعلومات الواردة فيها بالتسليم. مشيراً إلى أن مدونات لرحالة حملت مغالطات كبيرة ومسيئة. وبيّن أن كورتيلمون حاول أثناء زيارته لمكةالمكرمة «الحصول على فتوى من مفتي المالكية آنذاك محمد عابد تطلب من الجزائريين تغيير تعاملهم مع المستعمر الفرنسي، في ظل الصدامات التي تحدث بين الطرفين». فيما دافع الدكتور الزهراني عن محاضرته وقال: «من يستطيع أن يحكم على كورتيلمون الذي توفي في حقبة غابرة؟». ورأى أنه ينبغي التريث في إطلاق الأحكام.