أظهرت مؤشرات أن لنشاط لقطاع العقاري انعكاسات إيجابية كبيرة على كل القطاعات الاقتصادية والمالية والإنتاجية لكل الدول. لذا يشكّل هذا القطاع المحرك الرئيس لاقتصادات الدول، ويرتكز عليه عند الحديث عن التنشيط الاقتصادي وخفض معدلات البطالة والتضخم. وعند هذا المستوى من الأهمية والتأثير، يتعرض هذا القطاع إلى تشوهات واضطرابات سلبية مباشرة وغير مباشرة. واعتبرت شركة «المزايا القابضة» في تقرير أسبوعي، أن التجارب السابقة تشير إلى أن «السماسرة والوسطاء العقاريين كانوا أكثر المؤثرين سلباً على أداء القطاع، ومستوى الأخطار الكبير الذي تعرّض له المستثمرون في هذا القطاع خلال السنوات الماضية». يُذكر أن العائدات الضخمة الناتجة من تصدير النفط والغاز والثروات الطبيعية، حدّت من قدرة دول المنطقة على إنتاج السلع والخدمات وتصديرها، وشجعتها على الاتجاه نحو الاستيراد. فيما ساهمت في دعم اتجاهات المضاربة على كل شيء داخل أسواق هذه الدول وتحديداً في القطاعين العقاري والمالي. وفي ضوء انحسار الفرص الاستثمارية المتاحة نتيجة انخفاض معدلات الإنتاج الحقيقية من السلع والخدمات المستهدفة للأسواق الخارجية، تركّزت الوفورات في أسواق المال والعقار، ما أفضى إلى مزيد من المضاربات والوصول إلى سقوف غير حقيقية وغير مبررة في أسعار العقارات والأدوات المالية المتداولة في أسواق المنطقة. وأشار التقرير إلى أن القوانين والتشريعات المنظمة لآليات العمل وأدواته والمتعلقة بالقطاع العقاري في المنطقة «عُدّلت وطُوّرت لتخفيف التأثيرات السلبية في قوة النشاط وأهدافه الاستثمارية والاجتماعية والتنموية». كما عزّزت الجهات الرسمية والأطراف المعنيون «آليات المتابعة والمراقبة بشفافية عمل القطاع وأهمية الحفاظ على استقراره على المدى البعيد». ولاحظ التقرير أن نطاق عمل السماسرة والوسطاء العقاريين ظل خارج إطار التطوير والمراقبة والمتابعة، فيما احتفظ أصحابها بدرجة التأثير السلبي ذاتها، على قوى العرض والطلب في ظروف الانتعاش والتراجع. ووصل التأثير السلبي إلى مراحل متقدمة ليلغي آليات عمل العرض والطلب وحرية حركتها وقدرتها على عكس الأسعار الحقيقة، بحيث قاد الوسطاء والسماسرة دفة تحديد مستوى الأسعار السائدة، ونسبة الارتفاع وتوقيتها ومواقعها ونسب العمولة الواجب دفعها. يُضاف إلى ذلك الاضطلاع بدور الاستشاري وتقديم النصح والمشورة للمستثمرين ومشتري الأراضي والعقارات». وشكّك تقرير «المزايا» بجدوى وجود مكاتب السمسرة والوساطة العقارية في الأسواق العقارية في المنطقة، طالما «بقيت تحمل هذا التأثير السلبي وفي كل الظروف. فيما يتراجع دورها في ظل وجود شركات تطوير عقاري ضخمة ووكلاء عقاريين مهنيين ويتمتعون بالشفافية والخبرة، بالتالي فهي لن تضحي بشهرتها وتاريخها في مقابل التلاعب بالسوق وآليات العرض والطلب، وتسخير الإشاعات والاضطرابات غير الواقعية في سبيل إنجاز الصفقات والحصول على نسب مرتفعة من العمولة». لذا «لا بد من إيجاد طرف محايد ومهني ولديه استثمارات واهتمامات عقارية كبيرة في القطاع ليقوم بهذا الدور. إذ يمكن تصنيف الوسطاء العقاريين والسماسرة بأنهم أكثر مَن يحقق الأرباح في المعادلة العقارية والأقل كلفة وتعرضاً للأخطار، لعدم امتلاكهم الأصول أو الاستثمارات العقارية في أحيان كثيرة». في المقابل، فهم يحتفظون بمركزهم المتقدم في «إضافة مزيد من الأخطار وعدم الاستقرار في مكونات القطاع وإضعاف قدرته على استقطاب استثمارات إضافية ومستثمرين، طالما تبدأ الشكوك من الأسعار غير الحقيقية للأصول المتداولة، ومن هنا تأتي الأخطار». ولم يحيّد التقرير أصحاب العقارات الذين «يتحملون جزءاً كبيراً من المسؤولية عن الخلل المسجل في السوق العقارية، من مضاربات وعدم استقرار وتشوهات على آليات العرض والطلب، إضافة إلى تشجيعهم السماسرة والوسطاء العقاريين على مزيد من المضاربات، طالما بقيت تصب في مصلحة رفع الأسعار سواء كان بيعاً أو شراء أو تأجيراً للعقارات التي يملكونها». وتفضل غالبية أصحاب العقارات «إنجاز الصفقات الفردية وفي شكل مباشر لاحتمال تحقيق سعر أعلى من دون تحمل أعباء إضافية، أو اللجوء إلى الارتباط بعقود حصرية مع شركات عقارية تعمل على حفظ حقوق جميع الأطراف». لذا شدد التقرير على أهمية تنظيم مهنة الوسطاء العقاريين. وأكد ضرورة إيجاد مؤشرات عقارية رسمية «تعطي مقاييس ومعلومات عن طبيعة العرض والطلب في كل المواقع داخل الدول، فضلاً عن إعلان بيانات ومؤشرات حقيقية حول تطور الأسعار من واقع السجلات والصفقات الحقيقية التي تُنفّذ، وفرض نسب ارتفاع وانخفاض واجبة التطبيق عند تسجيل ارتفاعات غير حقيقية وتعكس تلاعباً في الأسعار السائدة». ورأى ضرورة «تطبيقها على كل الصفقات سواء كانت تختص ببيع العقارات أو شرائها أو بعقود التأجير على المساحات التجارية والسكنية». كما سيكون من الواجب «إيجاد مرجعيات موثوق فيها ويمكن الرجوع إليها في تقدير مستوى الأسعار في كل المواقع والاعتماد عليها في تقديم النصح والمشورة». إذ اعتبر أن ذلك «سيفرض مزيداً من المراقبة والمتابعة والحد من حرية حركة الوسطاء العقاريين وتنظيم أدوارهم من دون إلغائها في شكل كامل». وخلُصت «المزايا»، إلى أن «من الواجب فرض مواصفات عالية على مستوى الخبرة والكفاءة والمهنية والسمعة والأهلية لكل مَن يريد العمل في هذا القطاع، في ظلّ الحراك الحاصل فيه والدخول في مراحل التعافي الانتقائي وتحديداً على العقارات السكنية والعقارات المدرة للربح، والتي تمثل خياراً جيداً للمستثمرين طالما انخفضت عائدات الفرص الاستثمارية المتاحة». إذ «لم يعد مقبولاً بعد الآن العبث باستقرار أكثر القطاعات أهمية وأكثرها تركيزاً للاستثمارات والقيم»، حالياً ومستقبلاً.