نقرأ في التراث العربي دائماً حكمة «أندم من الكسعيّ» وهو أعرابي اشتهر برمي السهام، خرج ليلاً إلى مكمن موْرد الحُمُر في الوادي بقصد صيدها، فرمى سهماً لكنه أصاب صخرة فقدحت منها شرارة لهب، وظن أنه قد أخطأ.. وهكذا رمى خمسة منها، وكل مرة يظن أن سهمه أخطأ، ثم خرج من مكمنه غاضباً وكسر القوس ثم قال: أبيت ليلتي ثم آتي أهلي. فبات، فلما أصبح رأى خمسة حمر مصروعة ورأى أسهمه مضرجة بالدم، فندم على ما صنع وعض على أنامله حتى قطعها وقال: ندمتُ ندامةً لو أن نفسي تطاوعني إذاً لقتلتُ نفسي تبيّن لي سِفاهُ الرأي مني لعمر الله حين كسرتُ قوسي وإذا ما أخذنا الكسعي ورميناه في ملاعب الكرة العربية، فإننا نجدهُ يتطابق كثيراً مع حالات ندم لا ينفع معها كسر القوس وعض الأصابع فحسب ولكن بتر الأيدي والأقدام.. فالجزائريون يذكرون بأسف كبير خسارتهم للاعبين من أصول جزائرية أولهم زيدان ثم يأتي بعده بن زيمة وناصري، وليس هناك من لا يذكر قول مدرب منتخب الجزائر أيام بدء زيزو في التألق كلاعب متميز في الملاعب الفرنسية «إن بنيته البدنية الثقيلة لا تسمح لي بضمه إلى المنتخب»، ومرت الأيام ليجلب هذا اللاعب البدين (..) كأس العالم لفرنسا 1998، ولم يقل المدرب الجزائري بعدها شيئاً، مثلما لم يعترف بخطئه. ولولا أن محمد روراوة رئيس الاتحاد الجزائري نجح في تمرير لائحة بمؤتمر الفيفا بالبهاماس 2009 تسمح بضم اللاعبين مزدوجي الجنسية ممن لم يتجاوزا ال23 من العمر ما أمكن جلب أكثر من 30 لاعباً ينشطون في أهم الدوريات في إسبانيا وإيطاليا وإنكلترا وفرنسا، يمنحون المنتخب حيوية أفضل، ويشكلون اليوم أغنى منتخب عربي. أسوق هذا الكلام لأن منتخب المغرب أيضاً يتعرض لاستنزاف مماثل، فهذا مروان الفيلايني يلعب لمنتخب بلجيكا، وكان أولى به منتخب أسود الأطلس، إذ إن صفقة انتقاله إلى مانشستريونايتد تجاوزت 40 مليون يورو لقيمته كلاعب مؤثر، وإلا ما تسابق لأجله عديد الأندية القوية. وعلى رغم أن اللاعب يبدي اعتزازاً بانتمائه لبلده إلا أنه يتصرف حالياً بمنطق احترافي، ولا يريد أن يثار كثيراً موضوع عدم لعبه للمغرب. ومثله إبراهيم أفيلاي الذي أخذته الطواحين الهولندية في غفلة من أمر الجامعة الملكية. إن على بلدان المغرب العربي، وهي تتوفر على جالية كبيرة في أوروبا، أن تنشئ مرصداً لمتابعة أبنائها هناك ممن يحوزون مواهب ومهارات عالية في كرة القدم وغيرها من الألعاب، لتربطها بوطنها وتستفيد منها في مختلف المحافل الرياضية العالمية. فإذا كان المغرب ينوي الترشح لمونديال 2026 بعد أن أخفق في احتضان مونديال 2010 بأربعة أصوات فقط، فإنه مطالب بالبحث عن لاعبين في سن العاشرة في شوارع طنجة والرباط وباريس ومارسيليا وبروكسل وأمستردام يكونون أشبالاً لأسود الأطلس بعد 13 عاماً.. إذا صدقت النبوءة وكان الحظ أن يحتضن العرب مونديالين متتاليين. [email protected]