يتميز المهرجان المسرحي الباريسي السنوي «L'Auguste Festival» الذي تنظمه إدارة مسرح «L'Auguste Théâtre» بتكريس جهوده لاكتشاف المواهب الشابة الجديرة بالاهتمام والتي قد تشكل مستقبل المسرح الفرنسي. والمهرجان يقام في شكل مسابقة يستطيع الفائزون فيها تقديم أعمالهم على الخشبة. ويقدّم كل فائز أمسية واحدة تسمح للجمهور وأهل المهنة من أصحاب الفضول بالتأكد من صحة مسرح الغد. وفاز اللبناني جورج حمصي (24 سنة) المتخرج من مدرسة «Cours Florent» الباريسية المرموقة للفنون المسرحية والتمثيل، بالمسابقة من خلال تقديمه مسرحية «الرجل الذي يصعد فوق الخشبة» «L'Homme qui monte sur scène» حاصداً 98 في المئة من نسبة أصوات الناخبين. وحين قدّم عرضه (إخراج دانييلا مورينا بيلاجي) خلال الأمسية المتاحة للفائزين، عرضت عليه إدارة المسرح الاستمرار في تقديمه مساء كل سبت حتى نهاية العام 2014. وتتلخص مسرحية حمصي في وقوف رجل على خشبة المسرح وحده، لمدة ساعة كاملة، حيث يسرد مواقف عدة في حياته أدت به إلى الوجود في سهرة ما في هذه القاعة وفوق هذه الخشبة، بينما كان يحلم في الأساس بخوض تجربة الغناء الأوبرالي وبالتحول إلى نجم في هذا الميدان يغني على أكبر المسارح العالمية وأشهرها وأضخمها... ويقلد حمصي الأستاذ الذي حطم كيانه ومعنوياته في الغناء، ثم الطبيب النفسي الذي قال لأمه إن ابنها يعاني الجنون، إضافة الى تقليد شخصيات كثيرة كان لها دور في طفولته وشبابه الأول. غير أنه يحلل شخصيته معترفاً بأنه يعتبر أفراد عائلته مجرد أشخاص حالهم حال غيرهم. ويقرّ كفنان بأنه لا يحب جمهوره على رغم تمنيه حضوره إلى المسرح لمشاهدته، ويحلم بحبس المتفرجين داخل القاعة ساعات بل أياماً طويلة لرؤيته وسماعه، خاتماً العرض باعترافات عن اغتياله متفرجين في سهرات محددة يسرد تواريخها. يلاحظ المتفرج أن جورج حمصي فنان صلب يقدر على الإمساك بالعرض الذي يقدمه من دون أن يضعف أو يرتبك، منذ طلّته الأولى على الخشبة. وهو يتحكم في المتفرج مثل الساحر الذي يمارس قدراته المغناطيسية على جمهوره، ولا يترك ثغرة فوق الخشبة إلا يملأها بوجوده وحركاته. ويتميز بصوت نقي يعطي كل كلمة حقها في الإلقاء، على غرار الممثل الفرنسي المعروف فابريس لوكيني. وتمكن مقارنة حمصي ببطل رياضي يمارس لعبته المرهقة طوال ساعة كاملة، مضيفاً إلى الجهد البدني التعب الذهني. ومن بين المَشاهد التي تبقى في ذاكرة المتفرج عقب مغادرته المسرح، مشهد تقمّص فيه حمصي طفلاً رضيعاً ببراعة ودقّة في الحركات وفي الصوت. وتكمن قوة عرض حمصي في مواجهة جمهوره بعبارات من نوع «أنا أكره الجمهور» أو «أعتبر أن عائلتي مكونة من أشخاص عاديين مثل غيرهم» أو «أنني قتلت المتفرجين في الصالة في ختام عروضي السابقة». وإذا كانت هذه الكلمات كلها تضحك المتفرج، فهي في الوقت نفسه شرسة تصيب هدفها من طريق الإلقاء الذي يعتمده الممثل، وهو أمر نادر في المسرح الفرنسي المعاصر الذي يفضل تقديم المسرحيات الكلاسيكية أو الأعمال الفكاهية والرومانسية البعيدة كلياً عن هزّ كيان من يشهدها أو عن تحريضه على التفكير. ويقترب فن حمصي بعض الشيء من المسرح البريطاني الذي لا يخشى الإثارة. ومن المؤكد أن الفنان الشاب سيتمتّع بحرية أكبر في كتابة مسرحيته المقبلة، بما أنها لن تخضع للامتحان الخاص بمسابقة، خلافاً لما حدث هذه المرة.