الآن يأخذون صوراً لتذكار الموقف ووعدوا: كركرة الطفولة ستعود من حيث انتهوا.. عمّا قليل. وإن هرم الورق، فقد وعَدُوا أن لا يبتسموا تقديراً لما تقتضيه جدية لحظة الأبد.. وقد تخففوا من التكلف في الإغماضة الكبرى، خوفَ أن نُصاب بالغيرة من شرحهم الآسر لاغتنام المغادرة.. ووعَدُوا أن يُسَهلوا عبءَ النقل المفاجئ، تقديراً لجهود «فوتوغراف العالم».. وأرخوا قليلاً من ملابسهم طمعاً في خُدع المهرج الأخيرة، واستجابةً لتصاوير الجمهور الحميم.. ووعَدُوا بحشمة الرغبات، ثم لنا وحدنا سلاح الأسف على القمر* حين اختاروا نضوجه لآخر ليل في الذهاب. وأكدوا اصطفاف أجسادهم على الممررات وانضباط الضلوع لبلاغة المشهد.. وطلبوا أن يصلهم تصفيقنا جاداً كفاصل هام إلى الفجيعة القادمة، إلى طابور زهرِهم التالي.. وقرروا أن يتركوا الوقت للتعليق بعد العرض التام، وفرصة أكبر للسماء لإتمام الأعراس المنتظرة.. وحرصوا على بهجة الأمهات بالندى الصادم من فرط تلقائية الملامح في سبق القلب، قبل مصداقية الصحافة.. وشددوا على عدالة الغبطة بين الآباء طالما أدوارهم دقيقة التشابه وواضحة المعنى هكذا كحصاد الحقول الوفية.. وعَدُوا أن يختصروا ترف اللحظة الأخيرة، حين يكتفون بزفرة واحدة كحال الرغيف الواحد في بيت الفقير. ورأوا ألا يتحدثوا عنّا عند الله بسوء أو حب، إذا هم كائنات الحياد بالتفاف الذراعين على الصدر.. يحتضنون الرحيل. واضطروا أن يأخذوا معهم العار والخجل للتخفيف من مراجعات الضمير الكوني والمصارحات الجارحة خلفهم.. ووعَدُوا أن يُنجز القاتلُ أفعالَه - في مرةِ الغد - بعيداً عن امتعاض السلطة والقيم اللازمة للشعارات.. ورأوا أن يقترحوا على السماء إيقاف السؤال عن أسمائهم فلا شأن لنا بها بعد التوثيق الحريص على نزاهة أدائهم.. وقالوا: لم يعد الموت منعطفاً خفياً، بل واجباً مدرسياً تُصيبه وتفشل، ثم تعتاد.. وأن الحياة لن تكون للإنصاف وحده، وأن للموت تذمرنا من الملل حين لا يكون الحفل متعدد اللذّة والأعمار.. وقالوا في الحرب: رغم أن البستان يخسر والوحل يخسر، إلاّ أنهم لن يُفقدونا فضيلة الكتابة في مديح نومهم هذا. وحملونا بشاشة اعتذارهم للأرصفة من مبالغة الغرق في كل هذا الرائحة. * حين اصطف أطفال الغوطة، في ريف دمشق، لأخذ الصورة الأخيرة. * كان عرسهم يوم تمام القمر في سماء الله على أرض العالم، 15 شوال 1434ه، 21 أُغسطس 2013.