الولايات المتحدة الأميركية خسرت كل شيء في منطقة الشرق الأوسط. المشروع الأميركي في المنطقة انتهى الى الأبد. الشرق الأوسط الكبير انتهى إلى غير رجعة. في هذه الصحيفة وقبل ثلاثة أعوام، أشرت إلى أن واشنطن لن تطلق طلقة واحدة تجاه إيران. في هذه الصحيفة أيضاً، ذكرت أنه ليس أمام سدنة البيت الابيض سوى التفاوض مع طالبان والمقاومة العراقية، للخروج من مستنقعي كابل وبغداد اللذين دخلهما الرئيس الأميركي السابق جورج بوش متذرعاً بمحاربة الإرهاب، وها هو خلفه اليوم يسدد ثمن حماقات سلفه. اليوم جنرالات البنتاغون وضباط CIA وموظفو الخارجية الأميركية يتحركون في كل الاتجاهات ويجوبون العالم للتفاوض مع طالبان ورموز المقاومة العراقية بكل فصائلها. صحيح أن الرئيس جورج بوش (الابن) حرك المياه الراكدة في العالم وأنه تمكن إلى حد كبير من ممارسة دور ريادي في نشر المبادئ الأميركية، ولست هنا لتقويم السنوات التي حكم فيها بوش العالم، لأنه (بوش) كان يتحرك في كل الاتجاهات ومن الصعب النظر الى حقبته بحيادية مطلقة، لكن خلفه الرئيس باراك أوباما جاء إلى الحكم وليس لديه سوى خيار المفاوضات التي تتطلب – بطبيعتها – تقديم الكثير من التنازلات الصعبة. الأوروبيون - خصوصاً الانكليز والفرنسيين منهم وهما قوتان استعماريتان قديمتان لديهما الدراية في دهاليز المنطقة - يعرفون أن أوباما سيكون – في ظل الأزمة الاقتصادية التي تجتاح بلاده – مضطراً لترميم بلاده من الداخل اولاً، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الصعيدين الاجتماعي والسياسي، وبالتالي سيكون أوباما خلال رئاسته محصوراً داخل الحدود الجغرافية للولايات المتحدة، لهذا نجده يعمل الآن وبمساعدة بعض دول الجوار العراقي لتهيئة الأجواء لسحب قواته من العراق، لهذا كله يعمل طاقم أوباما اليوم على تغيير النظام السياسي في العراق، من خلال تغيير الخريطة الانتخابية العراقية والتي من المقرر أن تبدأ في كانون الثاني (يناير) المقبل. أوباما يعلم جيداً أن سلفه أسقط نظام الرئيس صدام حسين، لكنه يعلم أيضاً، أن جنرالات إيران هم الذين يديرون الحكم في العراق، وأن جيوشه كانت مجرد وسيلة لتحقيق الحلم الفارسي. إدارة أوباما تحاول أن تمد جسور الود مع الرئيس السوري بشار الأسد. السوريون وقّعوا حزمة من الاتفاقات مع بغداد، طهران عرفت اللعبة فاستبقت النتائج لتضرب داخل المنطقة الخضراء من خلال رجالها في العراق. ليس هذا فحسب، بل إنها ضربت القاعة التي كان من المقرر أن يرعى فيها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مؤتمراً عشائرياً في يوم الاربعاء الدامي الذي سقط فيه نحو 600 عراقي بين قتيل وجريح. أميركا لن تضرب إيران، لأنها تعلم أن إضعاف إيران يعني بروز العرب كقوة إقليمية، وهي لا تريد ذلك. الفرنسيون والانكليز يعرفون أن إدارة أوباما متورطة بإرث بوش المليء بالاخطاء، لهذا تحركت باريس باتجاه مضيق هرمز وحصلت على قاعدة جوية في دولة الامارات العربية المتحدة قبالة المضيق، كما أنها افتتحت فرعاً لجامعة السوربون في أبو ظبي، علماً بأن السوربون ليس لديها أي فروع بما في ذلك الجزء الفرنسي من كندا. إذا سيطر الفرنسيون على مضيق هرمز، لن يبقى للسيطرة على المنطقة سوى التحكم بمضيق باب المندب وخليج عدن الذي يشكو من القراصنة الصوماليين وامراء الحرب في القرن الأفريقي. ربما سيضطر الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في ظل وجود التمرد الحوثي (رقم 6) في صعدة والقراصنة الصوماليين في عرض البحار وقبالة سواحل بلاده، إلى منح الانكليز أو غيرهم امتيازات واسعة للسيطرة على باب المندب بهدف حماية الملاحة هناك. إذا حصل ذلك، سيكون الباب متاحاً لعودة هذه القوى الى المنطقة من بوابة الممرات المائية. عندها سيكون الأوروبيون خصوصاً الانكليز والفرنسيين وضعوا منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك دول الخليج وإيران والعراق، وهي دول غنية بالنفط، تحت ظلال طائراتهم وصواريخهم بعيدة المدى، وعندها ايضاً، يكون الرئيس باراك أوباما قدم الكثير من التنازلات في أفغانستان والعراق ولبنان والصومال، ولكن بعد فوات الآوان.