على ماذا يراهن بعض الأوساط الضيقة التي تترقب تكثيف الجهود من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية فور الانتهاء من الجلسة التشريعية التي ستبت بالتمديد للبرلمان الأربعاء المقبل؟ فآمال هذا البعض بأن تدفع الضغوط الدولية لإنهاء الشغور الرئاسي الفرقاء الى تسريع اختيار شخصية توافقية، جعلت كثيرين يتساءلون عن الجديد الذي يسمح بهذه الآمال في وقت لا مؤشرات على تغيير المواقف في شكل يسمح لهذه الآمال أن ترى النور لا داخلياً ولا خارجياً. والذين يستغربون أو يستهجنون ذلك ويضعونه في خانة التمنيات أكثر مما هي معطيات، يقولون إنه إذا صح أن هناك توجهاً من هذا النوع فإن الجهود كانت ستتجه الى هذا الأمر في البرلمان، بدلاً من أن تتركز على تفادي الفراغ النيابي المحتمل، عبر التوافق على تمديد ولاية البرلمان. وتضيف هذه المصادر، لو كان إمكان انتخاب رئيس قريباً موجوداً لكان تأجل البحث بالتمديد لمجلس النواب كي يتفرغ لاختيار الرئيس ويجري تمديداً تقنياً بدلاً من التمديد لسنتين و7 أشهر، فتتألف حكومة جديدة ويطرح قانون الانتخاب الجديد ثم تحصل انتخابات نيابية بعد أن يكون قد انتخب رئيس للجمهورية. وتقول هذه الأوساط: إذا كان التمديد للبرلمان يواجه صعوبة في تأمين ميثاقيته، في شكل دفع الرئيس نبيه بري الى مطالبة كتلة نواب «القوات اللبنانية» بتأمين ميثاقية التمديد ليس فقط بحضور الجلسة بل أيضاً بالتصويت الى جانبه، فإن تأمين التوافق على إنهاء الشغور الرئاسي أكثر صعوبة. إلا أن الذين يأملون بأن تتبع التمديد جهود جدية لانتخاب الرئيس، يستندون الى عوامل ومؤشرات عدة، تدفعهم الى توقع ذلك يعددونها كالآتي: 1 - أن الدول الكبرى والإقليمية أبلغت الفرقاء اللبنانيين والإقليميين المعنيين بالأزمة اللبنانية، أن ضرورة انخراط لبنان بجدية في محاربة الإرهاب الذي يشكل أولوية في نظر هذه الدول، بات يحتاج الى وجود رئيس، لأن الفراغ يتسلل الى المؤسسات اللبنانية ويشل القرار اللبناني في شكل يصعّب قيام لبنان بدوره في هذه الحرب، لا سيما بعدما اندفعت المجموعات المسلحة الإرهابية نحو الداخل اللبناني بدءاً بمعركة عرسال في 2 آب (أغسطس) الماضي وصولاً الى ما حصل في طرابلس. 2 - أن مراجع لبنانية رسمية وسياسية عدة تبلغت من دول كبرى وإقليمية أن استمرار المساعدات للبنان في مواجهة عبء النازحين السوريين، وصمود اقتصاده المصاب بالتباطؤ، وفي مواجهة الإرهاب بات مرتبطاً بانتخاب الرئيس الجديد، وأن المساعدات في بعض المجالات قد لا تصل قبل ملء الشغور الرئاسي. 3 - أن بعض المصادر الواسعة الاطلاع ربط أيضاً إنجاز الاتفاقية بين فرنسا والمملكة العربية السعودية حول الأسلحة الفرنسية للجيش اللبناني، والممولة بمبلغ ال3 بلايين دولار أميركي من المملكة، لن يحصل قبل وجود رئيس للجمهورية، وأن الشغور سبب رئيسي من أسباب تأخر إتمام الاتفاقية في شكل نهائي. 4 - أن اقتراب موعد انتهاء مهلة الاتفاق بين دول 5+1 وإيران على الملف النووي الإيراني في 24 الجاري يمهد، إذا صحت التوقعات، لأن تبحث دول الغرب، لا سيما الولاياتالمتحدة الأميركية مع الجانب الإيراني، في بعض الملفات الإقليمية التي تتطلب حلولاً عاجلة. وأسهل هذه الملفات هو موضوع لبنان، لأن انتخاب رئيس فيه لإعادة تنشيط مؤسساته الدستورية أقل صعوبة من أوضاع أخرى في الإقليم، مثل تلك التي تتعلق بالعراق وسورية واليمن وغيرها. وهذا ممكن حتى لو جرى تمديد المحادثات حول النووي الى ما بعد 24 تشرين الثاني (نوفمبر). 5 - أنه لو لم يكن لدى زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري معطيات أو إشارات عن محاولات لإنضاج التوافق على إنهاء الشغور الرئاسي، لما قال في 13 الشهر الماضي إثر لقائه مع البطريرك الماروني بشارة الراعي: «لا أظن أن قوى 8 آذار تريد بقاء الفراغ»، ولما كرر الدعوة الى تفاهم على رئيس توافقي 3 مرات خلال الشهرين الماضيين، وآخرها في بيانه السياسي الشامل الثلثاء الماضي على إثر اشتباكات طرابلس. مستفيداً من التوافق اللبناني على مواجهة الإرهاب لتطويره في شأن الرئاسة. ومع أن الأوساط المحيطة بالحريري تأسف لعدم استجابة الفريق الآخر الى مبادراته المتتالية في هذا الشأن حتى الآن، فإن بعضها يعتقد أنه لا بد من أن تثمر محاولاته،مثلما حصل عند تشكيل الحكومة، فيتراجع الفريق الآخر، لا سيما «حزب الله»، عن تمسكه بورقة الفراغ الرئاسي، مثلما حصل حين تراجع عن إمساكه بورقة الفراغ الحكومي مطلع العام الماضي وسهَّل تأليف حكومة الرئيس تمام سلام. لكن أصحاب الآمال بإحداث اختراق في موضوع الرئاسة بعد التمديد للبرلمان يتوقعون أن يلعب الرئيس بري دوراً في الحوار بين الحريري و «حزب الله» في اتجاه تقريب وجهات النظر في الأسابيع المقبلة، ويضيفون على العوامل المذكورة أعلاه، أحد المعطيات الجديدة، وهو أن الدول الكبرى بعد أن كانت تدقق في بعض أسماء المطروحين للرئاسة وتسأل عنها، بات بعض مسؤوليها يقول: «انتخبوا أي رئيس وأي اسم، يهمنا أن يكون هناك رئيس للبنان لنتعاطى معه». بعض الأوساط الحذرة في مجاراة الآملين باختراق رئاسي بعد التمديد للمجلس، لا تستبعد أن تكون جلسة الأربعاء المقبل النيابية «بروفة» من أجل تعميق التواصل والحوار بين الفرقاء، لكنها تمتنع عن التفاؤل. ويقول بعض أوساط قوى «8 آذار» إنه على افتراض وجود ضغوط خارجية للتوافق على رئيس، انطلاقاً من حوار بين «المستقبل» و «حزب الله»، سواء مباشرة أو عبر الرئيس بري، فإن إنضاج توجه كهذا يتطلب قراراً من الحزب بإبلاغ العماد عون بأن محاولة إيصاله الى كرسي الرئاسة لم تنجح، بعد أن استبعده الحريري بدعوته الى التوافق على اسم جديد، وهذا أمر دونه صعوبات الآن. ويقول معنيون بالرئاسة إنه في حال انتقل لبنان الى البحث الجدي عن الرئيس التوافقي، فإن الأمر يتطلب إضافة الى الاتفاق مع عون على إخلائه الساحة، التوافق معه على الاسم المفترض، الذي يقال إن الجنرال يفضله من خارج جبل لبنان وأن يضمن من خلاله أن يتصرف معه في عهده على أن زعامته هي المرجعية المسيحية الأولى، تجنباً لتجربته مع الرئيس ميشال سليمان، وأن يضمن من خلاله مجموعة من التعيينات العائدة للمسيحيين في شكل مسبق، ومنها قائد الجيش المقبل. هذا بالإضافة إلى إعطائه ضمانات بالنسبة الى قانون الانتخاب الذي ستجرى على أساسه الانتخابات النيابية المقبلة. وهذه الأمور ستكون صعبة في حد ذاتها.