هذه ليست نافورة «تريفي» في إحدى ساحات مدينة روما التي يقصدها الزائرون من مواطنين وسياح ليرموا فيها قطعاً نقدية، بل هي «نافورة» شارع الحمراء التي بالكاد تضم حوض ماء تعلوه منحوته من رخام أبيض تمثل امرأة تستعطي. بعض عابري هذا الشارع يومياً قد لا يبالون كثيراً بها ولا يرمون ولو قرشاً واحداً، لكن عابرين آخرين يتوقفون أمام هذه «النافورة» ليقرأوا ما كتب على لوحتها فيمدون أيديهم الى جيوبهم ويسحبون ما توافر فيها من نقود معدنية ليرموها في الحوض، وفي بالهم ان متسولين سيلتقطونها من الماء وكأنها صيد يومي. والمتسولون يشكلون ظاهرة منذ عقود في لبنان، ولكن مع ازدياد السكان لبنانيين وسوريين ومن جنسيات مختلفة، ازدادت هذه الظاهرة مع تفشي الفقر. وبرزت ظاهرة التسول بشدة في شارع الحمراء وجواره. أصبح عدد المتسولين والمتسولات، من الأطفال وحدهم ضخماً، هذا عدا النساء والرجال الذين يحدثون زحمة لا يستهان بها في الشوارع وعلى الطرق. لا يمكن الجلوس مثلاً في مقهى في شارع الحمراء من دون أن يمرّ متسوّل كل دقيقة، إلى درجة أن المتسولين أنفسهم ملّوا طريقة الإستعطاف فاستحدثوا قاعدة أخرى للتسوّل، وهي بيع الزهور أو المياه أو العلكة، وهي طريقة راقية قياساً بالطريقة السابقة، علماً أن أكثر «المشترين» لا يأخذون السلعة بل يكتفون بالدفع. على هذه الخلفية، ابتكر الفنان اللبناني رأفت مجذوب نافورة «مال عام» The Wishing Fountain ليتيح للناس تقاسم المال في شارع الحمراء في بيروت، بغية الإضاءة على ظاهرة المشرّدين والمتسوّلين في شوارع لبنان عموماً وبيروت خصوصاً. واستوحى مجذوب شكل هذه المنحوتة من المتسولات اللواتي يستوطنّ الأرصفة ويوزعن الأدعية والتمنيات السعيدة، على أمل أن يرمي أحد ما النقود في أحضانهن، لكنهن لا يجنين عادة سوى التذمّر. وتشبه فكرة النافورة البيروتية نافورة «تريفي» في روما التي يرمي آلاف السياح فيها مئات النقود المعدينة يومياً، على أمل أن تتحقق أمنيات لم تدع إلى تحقيقها متسولات الحمراء. في حضن منحوتة «مال عام» ماء مع أن أرصفة شارع الحمراء جافة. خلال مدة عرض هذه المنحوتة التي تستمر حتى 12 تشرين الثاني (نوفمبر) وستكون متاحة لجميع المحتاجين إلى نقود معدنية، أكانت لل «بارك ميترز» أو لشراء الطعام. سيكون كل محتاج قادراً على التقاط المبلغ الذي يحتاج إليه كلما أراد ذلك، ما دام هناك من يرمي النقود. و»الفلسفة» التي تقف وراء المشروع ترمي إلى تفاعل بين الناس ومدينتهم. لكن هل تكفي هذه المنحوتة لحل مشكلة المتسولين المحتاجين إلى نقود؟ طبعاً لا. لكن هذه المنحوتة ستلفت بلوحتها وحوض الماء أنظار الناس على اختلاف مشاربهم وأحوالهم ولا بد من ان يعمد الكثيرون الى رمي النقود والعمل لاحقاً على إعانة الفقراء المتسولين الذين يعيشون أيامهم يوماً بيوم. سيستمر «حضن» المنحوتة في مساعدة الناس إلى 12 تشرين الثاني، وبعدها يعود سكّان المدينة إلى روتينهم اليومي وينفضّ هذا التفاعل الإيجابي إلى أجل غير مسمّى، ويعاود المتسوّلون التجوّل في الشوارع بحثاً عن أصحاب الأريحية والجود.