لم يكن مدرب منتخب الجزائر في مونديال 2010 رابح سعدان محظوظاً، فالرجل قاد محاربيه من دون مهاجمين، ونصف التعداد في عيادة المصابين، لهذا اعتبره كثير من الملاحظين أشبه بمن يدير فريقاً من ذوي الاحتياجات الخاصة. والدليل أنّه لم يسجل أيّ هدف في المونديال، وكان الجمهور يتندّر على رؤوس الحربة الذين جاؤوا من ملاعب أوروبا. وعلى رغم كلّ هذا فإنّ سعدان خرج بأخفّ الأضرار، ولا يزال يحظى باحترام جمهور الكرة في بلاده وخارجها. أمّا المفارقة فهي الوضع المقلوب الذي يعيشه منتخب الجزائر تحت إدارة البوسني وحيد خليلوزيتش، إذ إن الرجل محظوظ جداً بوجود لاعبين يشكلون حالياً أغلى منتخب عربي في العالم، إذ يكفي أنّه يضمّ خمسة لاعبين محترفين يلعبون كقلب هجوم، هم بلفوضيل (الإنتر) وجبّور (أولمبياكوس) وغيلاس (بورتو) وسوداني (دينامو زغرب) سليماني (سبورتينغ ليشبونة)، إلى جانب لاعبين هجوميين أكثر مثل فيغولي وبراهيمي وجابو. فوجد وحيد نفسه في ورطة كبيرة، إذ إن الخيارات متعددة لكن أي تشكيل يليق بمنتخب لم يبق أمام تأهله لمونديال 2014 سوى 120 دقيقة. وقد بدا واضحاً في مباراة غينيا الودية أن كل لاعب يريد أن يقول «ها أنذا..» بينما الملعب لا يسع أكثر من أحد عشر لاعباً، ومكان البقيّة هو كرسي الاحتياط. واللاعبون كلّهم محترفون، ويرغب كلّ واحد في أن يرسل لفريقه في إيطاليا أو إسبانيا أو فرنسا أو كرواتيا أو اليونان، رسالة مفادها «لم تندموا عندما اخترتم التعاقد معي..». إنّ هذا العدد الهائل من اللاعبين المحترفين الذين استفاد منهم المنتخب الجزائري في فترة وجيزة، من شأنه أن يعزز قدرته في خوض مبارياته المقبلة بعيداً عن الخوف من المجهول، إنّما يبقى على المدرب خليلوزيتش أن يحسن انتقاء من يصلحون لكلّ مهمة، وأن يجعل المعيار في ذلك، جاهزية اللاعب، وقدرته على تقديم القيمة المضافة، بعيداً عن أمزجة وسائل الإعلام التي كثيراً ما ورّطت المنتخب في خيارات غير مناسبة، بالتركيز على لاعبين هم أقدر في أنديتهم على أن يكونوا أساسيين في المنتخب، فيسقط المدربون تحت تأثير هذه الصحف التي تسعى لأن تلعب دور مدربين للكرة، فتفقد مهنيّتها كصحف لها سقفها في التعاطي مع مسائل هي من صلاحيات أصحابها أو الخبراء فيها. لقد اكتشف اللاعبون الجزائريون الذين ولدوا ونشأوا بعيداً عن وطنهم الأم، وتعلم كثير منهم الكرة في مراكز فرنسية، متعة اللعب أمام جمهور جزائري لم يسبق أن لعبوا أمامه. فيقعون في حبه من أول خرجة، وقد عشتُ كثيراً من هذه المواقف التي تقرأ في عيون أصحابها حال الانبهار، وكأنّ لسان حالهم يقول: «ضاع نصف عمري هناك..»، فتجد اللاعبين المغتربين الذين اختاروا اللعب لبلدهم الأصلي، يأخذون صوراً للجمهور إعجاباً وعرفاناً بحرارة اللقاء. حدث هذا مع غزال ومطمور وزياني ومغني، ويحدث مع قديورة وفيغولي ومصباح وبلفوضيل ويبدة وغيرهم. إنها مشاعر الانتماء هي التي جعلت هؤلاء اللاعبين يأتون إلى حيث سمعوا أحدهم يقول عن زيدان بعد إحراز كأس العالم 1998 «انظروا ماذا أنجبت فرنسا»؟ وعندما نطح زيزو الإيطالي ماتيرازي برأسه في نهائي مونديال 2006 قال نفس الشخص «هل رأيتم ماذا فعل هذا العربي»؟ لهذا جاؤوا جميعاً إلى وطنهم، وقبلوا بالبقاء في كرسي الاحتياط ليعقدوا أكثر مهمة خليلوزيتش أمام حسرة سعدان. [email protected]