أعاد كلام الرئيس اللبناني ميشال سليمان عن أنه لن يتخلى عن صلاحياته في تشكيل الحكومة التي رأى أنها «يجب أن تُشكل في أقرب الآجال»، تحريك هذا الاستحقاق الذي حجبته التطورات الأمنية التي شهدها لبنان خلال عطلة عيد الفطر، والتي ما زالت تداعياتها تفرض نفسها على انشغالات المسؤولين والرأي العام، وأبرزها خطف الطيارين التركيين فجر الجمعة الماضي على طريق مطار رفيق الحريري الدولي فضلاً عن مضاعفات المكمن المسلح الذي استهدف وفداً من وجهاء بلدة عرسال البقاعية الأحد الماضي. وكان أبرز تطور في قضية خطف التركيين أمس، اتصال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بنظيره اللبناني عدنان منصور، معرباً عن «قلقه الشديد حيال عملية الخطف وما قد ينتج منها من تداعيات سلبية على العلاقات الثنائية بين البلدين». ونقل منصور عن أوغلو قوله «إن تركيا لا دخل لها في خطف اللبنانيين في إعزاز، الذي تم من جماعات سورية على أراضٍ سورية». وحضر موضوع أمن المطار والطريق منه وإليه بقوة في اجتماع عقدته اللجنة النيابية للأشغال والنقل في المطار مع المسؤولين فيه، وتخلله سجال ساخن بين أعضائها، وبين وزير الداخلية مروان شربل على ضبط الأمن في المطار وعلى طريقه إزاء قوى الأمر الواقع، وكذلك طُرح اقتراح تشغيل مطار القليعات في منطقة الشمال. ودعا رئيس اللجنة النائب محمد قباني الى رفع اليد السياسية عن المطار. وفي طهران، أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس عراقجي ل «الحياة» أن بلاده ستبذل جهودها من أجل إطلاق سراح الطيارين، وقال عن علاقة خطفهما باختطاف اللبنانيين (التسعة) المحتجزين في سورية: «هناك إشاعات في هذا الشأن، لكن المسؤولين اللبنانيين قالوا إن الموضوعين مختلفان ولا ارتباط بينهما، ونأمل بألا تكون هناك علاقة بين الحالتين وأن يتم الإفراج عن جميع المخطوفين أينما كانوا». واتهمت كتلة «المستقبل» النيابية بعد اجتماعها برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة أمس «حزب الله» بأنه «أكثر من يعرف مكان احتجاز الرهائن (الأتراك) ومن قام بهذه الجريمة، وعليه المساعدة في تحرير الرهينتين»، كما اتهمت الحزب «بإغراق البلاد في دورة من الابتزاز والترهيب لإخضاع القرار السياسي والأمني وتشكيل الحكومة لسيطرة السلاح». أما على صعيد كلام الرئيس سليمان مساء أول من أمس، الذي رفض أن يصبح هدف تأليف حكومة جامعة متراساً لرفع مطالب تعجيز تأليفها، فقالت مصادر سياسية مواكبة للمشاورات الحكومية والتي يُفترض استئنافها بعد أن عاد الرئيس المكلف تأليفها تمام سلام من إجازة العيد أمس، إن ما أعلنه سليمان يهدف الى تحريك الجهود في هذا الخصوص، لأن البلد لا يستطيع أن يبقى من دون حكومة. ولفتت المصادر نفسها الى أن تشكيل الحكومة ليس سهلاً، بسبب تبادل الشروط بين الأطراف وبالتالي لن تكون العملية سريعة كما يوحي البعض، لكن من غير الجائز الاستسلام الى ما لا نهاية لهذه الشروط. وتوقفت أمام موقف سليمان من الاستراتيجية الدفاعية، وفيه أن «المعادلة التي وردت في البيانات الوزارية حول»الجيش والشعب والمقاومة» توفر الحماية للبنان شرط أن يكون لها مدير أو جهة تدير هذه العلاقة». واعتبرت أن موقفه هذا يخفف من توجس «حزب الله» من الموقف السابق الذي ورد على لسان رئيس الجمهورية في ذكرى تأسيس الجيش اللبناني في الأول من آب (أغسطس) في الفياضية. وأكدت أن سليمان لا يعترض على هذه المعادلة، لكنه يشترط أن تبقى تحت كنف الدولة من دون التفرد في تطبيقها. ورأت في حديثه عن الاستحقاقات الدستورية، لا سيما انتخابات رئاسة الجمهورية التي تبدأ قريباً، إشارة واضحة الى عزمه على قيام حكومة جامعة من كل الأطياف اللبنانية. واعتبرت المصادر أن سليمان أراد أن يحيط من يعنيهم الأمر علماً بأنه لن يترك البلد من دون حكومة في حال تعذر انتخاب رئيس جديد، وهذا ما يقوله الدستور الذي يعطي لرئيسي الجمهورية والحكومة صلاحية تأليف هذه الحكومة كما يريان مصلحة البلد. وأكدت المصادر عينها أن سليمان يضغط لإنضاج الظروف لتشكيل الحكومة وأنه تواصل مع رئيس الحكومة السابق زعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري السبت الماضي فيما تشاور سلام قبل أن يغادر الى جنيف مع الرئيس السنيورة في حضور الوزير السابق محمد شطح، إضافة الى مشاوراته المفتوحة مع رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط. لكن المصادر نفسها أشارت الى أن التريث في تأليف الحكومة يبقى سيد الموقف حتى إشعار آخر وإلى حين استكمال الجولة الجديدة من المشاورات التي يتولاها سلام، واعتبرت أن إيفاد جنبلاط نجله تيمور ووزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور الى المملكة العربية السعودية يأتي في إطار التواصل مع كبار المسؤولين فيها. واستبعدت إمكان لقاء موفدي جنبلاط مع الحريري لوجوده في إجازة عائلية خارج المملكة، لكنها شددت على أن التواصل بين جنبلاط والحريري لم ينقطع، كما استبعدت حصول أي تطور جديد في ملف تأليف الحكومة في المدى المنظور بسبب سفر سليمان السبت المقبل الى أوروبا في إجازة عائلية فيما يمضي رئيس المجلس النيابي نبيه بري إجازته في الخارج. لكن المصادر تحاول معرفة ما قصده جنبلاط من دعوته الى تشكيل حكومة تأخذ على عاتقها تنظيم الاختلاف، خصوصاً أنه استبق موقفه هذا بدعوته الى تشكيل حكومة حيادية، على رغم أنها تصنف موقفه في خانة استكشاف الأجواء تمهيداً للموقف الذي سيعلنه الأحد المقبل لمناسبة ذكرى شهداء «الحزب التقدمي الاشتراكي».