طوى الشاعر العربي سليمان العيسى برحيله أخيراً واحدة من أهم الصفحات في تاريخ الشعر العربي. صفحة مليئة بالنضال وبقيم الحوار وبحب الوطن والتغني بالعروبة، صفحة زمنها قرن بكامله. قرن من الشعر والعروبة وحب الأطفال والكتابة لهم، قرن من المكابدة اليومية، من الترحال في فضاء القصيدة، وقبل ذلك من سجن إلى آخر، بسبب قصائده ومواقفه القومية. اللحظات التي يحتضر فيها، تتقاطع مع لحظات مؤلمة ووحشية يعيشها السوريون، في مفصل تاريخي، لا أحد يعلم على ماذا سينتهي. ولد وعاش العيسى في واحدة من لحظات تاريخ العرب العصيبة، فكان أن تفتح وعيه وموهبته الشعرية على قضايا الوطن العربي، حتى أضحى واحداً من أكبر الشعراء العرب وأهمهم، غالبية شعره، يتناول مواضيع ويعبّر عن مواقف وطنية وقومية، إضافة إلى مواضيع الطفولة، التي رأى فيها الأمل الكبير للأمة العربية، أمل نهضتها وقيامها من كبواتها المتتالية. اشتهر بكتابة الشعر للأطفال، واشتهر أكثر بقصيدته الخالدة «بلاد العرب أوطاني»، قال ذات مرة حول تكريسه لغالبية شعره للأطفال: «إنني أكتب للصغار لأسليهم، ربّما كانت أية لعبة أو كرة أجْدى وأنفع في هذا المجال، إنني أنقل إليهم تجربتي القومية... تجربتي الإنسانية.. تجربتي النفسية... أنقل إليهم همومي وأحلامي». على أن ما كتبه الشاعر للأطفال ليس من قبيل التسلية، إنما هي قصائد مشحونة برمزية وبمضامين، تسهم في تكوين وعي الطفل وتشكّل وجدانه وتثري مخيلته. وكانت «الحياة» نشرت مقالة عن مرضه قبل نحو عام، مرضه الذي ألزمه الفراش. أصدرت دار جداول للنشر والترجمة ديوان «قطرات» للعيسى، وجاء في جزأين للشعر والنثر. وهو أول ديوان شعر تطبعه هذه الدار المميزة. ومما يمكن أن يطالعه القارئ في هذا الديوان البديع، قصيدة بعنوان «غازي القصيبي»، وفيها يقول: «زر الرمل/ أقحوانا ووردا/ ومشى في الهجير.. ظلا وبردا/ شاعر من عرار نجد../ سقته/ نفحات العرار.. عطرا وندا/ ذات يوم قرأته.. عطرا وندا/ في تخوم من نشوة.. تتحدى/ كان في صوته امرؤ القيس والأعشى،/ ونجد حلو../ يغازل نجدا/ هكذا تنبت الرمال قوافيها/ فتخضوضر القفار.. وتندى». وفي كانون الثاني (يناير) 2011 أصدرت له دار جداول ديوان «السفر الجميل» في طباعة أنيقة، ونقرأ في الغلاف الأخير الآتي: «طيلة العقد الماضي ظل أغلب شعر الشاعر العربي الكبير سليمان العيسى مجهولاً لدى الكثير من القراء العرب، لأنه كان يكتب قصائده وينشرها في اليمن، حينما كان مرافقاً لزوجته الدكتورة ملكة أبيض، التي كانت تعمل محاضرة في جامعة صنعاء. وما نشره الشاعر من قصائد، بعد ديوانه «على طريق العمر» الصادر عام 1996، أطلق عليها «الثمالات»، التي جاءت في فترة خاصة من مسيرة الشاعر، تصفها زوجته بأنها فترة أعاد الشاعر فيها النظر في ما يكتب، من حيث المواضيع، والأسلوب، والنبرة.. فترة شكلت منعطفاً واضحاً في مسيرته، التي تلاحقت فيها الخيبات وتكسرت الأحلام.. ولأن ما كتبه الشاعر من قصائد، طيلة هذه الفترة، يشكل في مجموعه مجلدات عدة، فقد رأى الشاعر وزوجته أن يقدما للقراء العرب مختارات منها، على رغم صعوبة الاختيار، وقد سميا هذه المختارات ب «السفر الجميل»، وعهدا بالديوان إلى دار جداول، التي تسعد بتقديم هذا الديوان إلى القراء العرب وإلى المعجبين بالشاعر الكبير».