تريد لجنة مهرجانات بيت الدين أن تكون الحفلة الغنائية لفرقة المايسترو سليم سحّاب المقرر ان تحييها المغنية أمال ماهر اليوم بمثابة «تحية لكوكب الشرق أم كلثوم». انه لأمر غاية في الذوق والتواضع والعرفان بدور هذه المغنية العربية العالمية، أن تكون الحفلة تحت عنوان «تحية» لا تحت عنوان «تكريم». ذلك ان ثمة قاعدة ملتوية، ركبت رؤوس كثر في لبنان والعالم العربي تقول ان حفلة من هنا وأخرى من هناك تستعاد فيها أغان خالدة لهذا أو تلك من عباقرة الغناء العربي الكبار، إنما هي « تكريم» لهم! كأن أولئك الساكنين ذاكرة العرب بأعمالهم الحية دائماً هم في حاجة الى تكريم... والتكريم عبر حفلات أغلبها مرتجل ومسلوق، والقليل منها مدروس ومتقن. ببساطة: لا المرتجل ولا المتقن من تلك الحفلات يمكن أن يسمى تكريماً. بدقة يمكن أن يكون تحية. تحية لطيفة خجولة صادقة ومتواضعة مهما يكن حجمها ضخماً إعداداً وتنظيماً. التكريم هو أمر آخر. للتكريم خطوات أخرى أبعد وأدق وأكثر عمقاً وأشد ثباتاً في الزمن من حفلات تنتهي بانتهاء آخر نوته من نوتات الأغاني المدرجة فيها. بهذا المعنى أحسنت لجنة مهرجانات بيت الدين صنيعاً وقولاً وإعلاناً بأن حفلة المايسترو سليم سحاب والمغنية الذهبية الصوت أمال ماهر ما هي الا تحية لكوكب الشرق ام كلثوم». الواقع ان عباقرة الفنون كافة، كرمونا في أعمالهم. وسّعوا مداركنا الثقافية والانسانية. هذبوا مشاعرنا. اعطونا الفرص لأن نكون اكثر انتماءً الى أرضنا وذاكرتنا وتراثنا وحاضرنا ومستقبلنا معاً. ولم يطلبوا شيئاً. تحديداً لم يطلبوا أن «نكرمهم» باستعادة موسمية عابرة لنتاجهم الخلاق. ربما رغبوا في تكريمهم لكنهم تركوا الأمر لهمّتنا، لأفكارنا، فلم تتفتّق «عبقرية» بعضنا الا عن تنظيم حفلات «طائرة» أو حلقات تلفزيونية «خاطفة» أو كتابة مقالات «غبّ الطلب» يذكر فيها ما تم ذكره عشرات بل مئات المرات من المواقف والآراء من دون أي محاولة لقول جديد حقيقي نقدي أولاً وأخيراً... حفلة سليم سحاب وأمال ماهر، «تحية لكوكب الشرق». تصنيف جميل، بل رائع. تصنيف طيّب، ومخلص: الطيبة من العقل والقلب معاً، والإخلاص من الذاكرة. والأهم أن سحّاب هو ابن الموسيقى العربية النظيفة، المتجذرة، المسحوبة من وجدان الأيام بما في الأيام من الفرح والحزن، الأمل والخيبة، وقبل ذلك الأفكار الكبيرة، والأحلام الكبيرة والناس الكبار. وأن أمال ماهر هي ابنة الموهبة القوية النفّاذة، الساطعة، وتكاد تكون المغنية العربية «الأكبر» اليوم، في مستوى صوتها وأبعاده وجمالياته والمهارات الأدائية التي يتميز بها. «تحية لكوكب الشرق ام كلثوم» في مهرجانات بيت الدين. بثقة يمكن القول إن هذه المهرجانات صاحبة صورة. الصورة جمالية - ابداعية - تنظيمية مشرقية. لم يحدث ان تراجعت نوعية حفلات بيت الدين في ساعة تخلّ كما يحدث في مهرجانات اخرى داخل لبنان وخارجه. هناك إصرار على أن تكون عروض المهرجانات ثابتة على خط الرقي. وهذا يتحقق بقدر كبير. ماذا ستقدّم فرقة سليم سحاب والمغنية امال ماهر من أغاني السيدة أم كلثوم؟ هل الأغاني نفسها «الشهيرة» التي نسمعها في كل مكان، وهي لا تتجاوز ال 10 أغنيات التي يكاد الاعلام العربي اذاعات وفضائيات يختصر السيدة بها متجاهلاً الكثير الكثير من ذلك البحر الكبير الذي انساب من صوتها؟ هل سنسمع اغاني «كاملة» بحيث لا تحتمل الحفلة أكثر من اربع أغان أو خمس في أبعد تقدير، ام سنسمع مقاطع مختارة من أغان عدة بحيث يمكن التعامل مع مكتبة أم كلثوم الغنائية بطريقة انتقائية تعكس ذوق سحاب وماهر وذكاءهما في التعبير عن التحية لأم كلثوم... وتستجيب مزاج الجمهور في التنوّع؟ وما هو الجديد الذي سيطرحه اداء أمال ماهر في تلك الليلة، على اعتبار أن الجديد ادائياً مطلوب في كل وقت؟ الأجوبة على ذلك هذه الليلة في أجواء بيت الدين الساحرة؟