قصائد الرثاء كلها يا شاعرنا لا ترثيك ولا تجزيك فراقاً وحزناً. بالأمس أُودّع والدي نزار - رحمه الله - واليوم أودعك، وبفقدكما اكتملت مشاعر اليتم، أسأل الله أن يجمعني بكما في جنات النعيم. اليوم، تقف الكلمات عاجزة عن التعبير عما يملأ صدري من حزن جم على فراقك، فقد كنت - رحمك الله - والداً ناصحاً حنوناً مثالاً للرقي والهدوء في أقصى حالات غضبك، لا نسمع منك إلا كلماتك الحنونة «الله يسعدك، الله يوفقك، يا ابني الله يرضى عليك». عرفك الناس سفيراً وأديباً ورجل دولة، وعرفتك أنا مدرسة في التربية والأدب وسمو الخُلُق، سعيداً من أجلك يا جدي، حين اختارك الله في أحب الأيام إليه، وستلتقي بأحبابنا؛ والدي نزار وعمي عبدالوهاب وعمتي فوزية - رحمهم الله - بإذنه تعالى. لقد عشت طوال حياتك في هدوء ورحلت في هدوء، رحمك الله يا فقيد أسرة العيسى والوطن. آه لو تعلم يا جدي مدى حزني على فراقك، كم أرى الحزن يخيم على أسوار منزلنا بعدك بعد أن انتهينا من استقبال التعازي في مجلسك المكتظ بالمثقفين والديبلوماسيين دائماً، ذهبت إلى مكتبتي أبعثر أوراقي، أُفتش في ذكرياتنا معاً، فوجدت قصائد عدة كتبتها بخط يدك، أتذكر تلك الليلة جيداً، كنت تكتبها بخط يدك وتطلب مني أن أطبعها لك، فأخذت الأصل واحتفظت بها، منها قصيدة حنين، ودالي، ومعاناة، وعندما وقعت بين يدي اليوم أخذت أستعيد قراءتها مراراً و تكراراً وكأني حصلت على ثروات الأرض. اختلطت في قلبي مشاعر الحنين والحزن على فراقك والفرحة بحفظ هذه المقتنيات الثمينة. لقد رحلت جسداً يا جدي وبقيت بيننا قولاً وعملاً، سلوكاً وخُلقاً وتاريخاً ومجداً. لقد جف قلمي وتوقفت كلماتي ولم أجد ما يجزيك. إلى جنات الخلد يا جدي.