ليس مألوفاً أن تجد شارعاً نظيفاً في العاصمة العراقية بغداد. لا تفكر في أن هذه الجملة كتبت بشكل مغلوط، إذ أن المألوف هو انتشار أكوام النفايات، حتى في أكثر الأحياء مدنيّةً ورقياً. 7 ملايين طن هو الرقم الذي ينتجه سكان بغداد من النفايات، في اليوم الواحد. هذا ما تقوله بلدية العاصمة. لكن هذه الكمية تتكدس في مواقع الطمر الصحي، وهي في الغالب خارج حدود العاصمة الإدارية، وتشكل موطناً للمسحوقين الذين يقتاتون على بعض منها. ومنذ سنوات، تهاجم الصحافة المحلية، ومهتمون بالبيئة، المؤسسات الحكومية العراقية المشرفة على قطاع النظافة في بغداد، إلا أن ثمة شريكاً يتحمل مسؤولية تشويه العاصمة، وجعلها قذرةً إلى هذا الحد، فكثير من السكان لا يكترثون لتجمع القمامة أمام محالهم، وصار من المعتاد أن يلقي الجميع فضلاته في أي مكان. ويقول كثير من سكان بغداد إن السلطات كانت في الماضي تفرض على العائلات أن تغرس في واجهات المنازل شجرةً، وأن وضع النفايات في غير محلها كان يكلّف المخالف غرامة باهظة. هذا قبل أن تأتي الحرب مع إيران، ولاحقاً غزو الكويت والعقوبات الاقتصادية، على اهتمام العراقيين بمعايير البيئة والنظافة. مع ذلك لم يصل سوء الأمر إلى ما هو عليه الآن. ففي مناطق كانت تعرف بنظافتها، مثل الكرادة والمنصور الأعظمية، يمكن أي عابر سبيل أن يراقب كيف تتكدس بقايا الطعام عند أبواب المطاعم، وما هي إلا لحظات حتى تتجمع الكلاب والقطط لتنال حصصها من الغذاء. المشهد مع ساعة حظر التجوال، منتصف الليل، يكون أقرب إلى لحظة نهاية حرب ما. القمامة في كل مكان، وغالباً يتبادر إلى الذهن السؤال عن قدرة العراقيين الكبيرة على الاستهلاك الذي يسبب كل هذه النفايات. في الصباح ينتشر عمال البلدية، لكن مشكلة أدائهم لم تجد البلدية لها حلاً منذ سنوات. فبعض المتعاقدين على تدوير القمامة، وكما يقول شهود عيان، ينقلونها من هذا الحي ويكدسونها في حي مجاور. هذه الصورة دفعت ناشطين عراقيين إلى تنظيم حملة مدنية لإشاعة ثقافة النظافة بين سكان بغداد، حملت عنوان «بالنظافة نبدأ»، وتمكنت في أشهر قليلة من كسب متطوعين شباب إليها، خصوصاً عبر وجودها على «فايسبوك» في صفحة تتحدث عن النظافة بوصفها «مقدمة لسلوك اجتماعي سليم». وفي تعريف للحملة جاء في الصفحة أيضاً، أنها «تعنى بتثقيف المواطن العراقي بأهمية النظافة ودورها في رفع مستوى التمدن». في حي المنصور، كان ناشطون في الحملة ينتشرون في الشارع الرئيس. مجموعة تجمع القمامة من الأرض، تضعها في أكياس، ويسارع بعض المارة إلى الانضمام إلى الحملة... شيئاً فشيئاً يبدأ الناس رمي قمامتهم في الأماكن المخصصة. في منتصف السوق، حيث تصل الحركة إلى ذروتها، يقف أصحاب المبادرة على منصة صغيرة مع مكبر للصوت، في نشاط غير مسبوق في بغداد. أحدهم يسأل المارة: «هل يعجبكم هذا الوضع؟ هل ترغبون في العيش بمدينة قذرة؟». عدد من سكان المنصور يخرج إلى الشارع للقاء المتطوعين، ثمة من ينضم إليهم، لكن لا يزال الطريق طويلاً لتكون بغداد مدينة نظيفة. ثمة الكثير من القمامة تنتظر حملة أكبر لإزالتها.