طوال شهر رمضان، تترّبع المشروبات على عرش البطولة في موائد الصائمين، فلا تخلو مائدة من نوع او أكثر من المشروبات والعصائر الطازجة، ما يجعل محال بيعها تشهد «عصراً ذهبياً» ترتفع فيه معدلات البيع أكثر من 400 في المئة. ويعد رمضان المنقذ الوحيد للمشروبات الشعبية المثلجة من الانقراض، مثل العرقسوس والسوبيا والتمر هندي... فمع انتشار المشروبات الغازية وغيرها يتراجع الإقبال على هذه المشروبات حتى تكاد تختفي تماماً، فيأتي شهر رمضان وينعشها بعودة الإقبال عليها. لا يختلف الأغنياء عن الفقراء في شعورهم بأهمية المشروبات في هذا الوقت فللجسد نداءاته التي لا يمكن تجاهلها، بيد أن نوعية المشروبات وسعرها ومكانها هي ما يصنع الفرق، فالأغنياء يقبلون على العصائر الطبيعية العضوية والمشروبات الغازية ويشترونها من المحال الشهيرة بأضعاف أسعارها الحقيقية، في حين يقبل الفقراء ومحدودو الدخل على المشروبات الشعبية ويشترونها من المحال الصغيرة أو من الباعة الجائلين الذين يفترشون الأرصفة والنواصي ويقيمون «نصبات» للمشروبات التي تصنعها زوجاتهم في المنزل. وقد تلعب المشروبات أدواراً سياسية مهمة في مصر، وتفيد الوثائق بأن الخديوي سعيد رابع حكام مصر من الأسرة العلوية كان يطلب شراب المزر، وهو مشروب يصنع من الذرة أو القمح، عند اجتماعه مع رجالات الدولة في ذلك الوقت لحل مشاكل الدولة، وكأنه مشروب الطاقة الذي كان يعينه على التفكير. كما عرف عن جورج بوش الأب عشقه لعصير القرع العسلي المصري الذي طلبه عندما زار مصر في التسعينات أثناء حرب الخليج. ومن المعروف ان الملك فاروق، آخر ملوك الأسرة العلوية، اغتيل بوضع سم في عصير الجوافة الذي تناوله في أحد مطاعم إيطاليا، وهو المشروب الذي اغتيل به المشير عبد الحكيم عامر. كذلك أشيع من فترة ان عبدالناصر مات بالسم، فآخر شيء تناوله كان عصير برتقال. ولم تبتعد المشروبات في هذا العصر كثيراً عن السياسة، بخاصة المشروبات الشعبية. وأطلق على العرقسوس «مشروب الثورة»، إذ تكتظ ميادين التحرير في كل مكان بمصر بباعة العرقسوس بملابسهم المميزة وقدورهم العامرة بمشروب الطاقة اللذيذ، والذي يصنف على انه عميد المشروبات صيفاً وشتاءً وفي رمضان، فهو المشروب المفضل للصائمين وهو القاهر للعطش والمرطب للجسم ويعمل على تهيئة الجهاز الهضمي لاستقبال الطعام، ويفيد كعلاج ووقاية من عدد من الأمراض، على رأسها قرحة المعدة والإثني عشر. ويخفض ضغط الدم. وقد كان المشروب المفضل لنجم الكوميديا إسماعيل يس والفنان أنور وجدي، كما أظهرت هيفاء وهبي عشقها له في برنامج «المولد» مع المطرب الشعبي سعد الصغير. وفي الفترة الأخيرة، ألصق الباعة صور الفريق عبد الفتاح السيسي وعبد الناصر على حاويات العصائر الرمضانية الزجاجية، كما ذيّل الكثيرون أسماء المشروبات بعبارات ثورية مثل «خروب السيسي» و»تمر هندي الكبير» و»سوبيا 30 يونيو» و»قصب الثورة». يقول العم فرج بائع المشروبات في ميدان المنشية بالإسكندرية: «غرق المواطن البسيط في أتون السياسية رغماً عنه وأصبحنا نفطر ونتسحر سياسة. حتى المشروبات اصطبغت بألوان السياسة. وهو ميراث لا ينقطع، ففي الستينات كنا نطلق أسماء السياسيين والمثقفين على المشروبات». أما أهم المشروبات الرمضانية فهي «الخروب والتمر هندي والعرقسوس وقمر الدين والعناب». ويشير بفخر إلى أكوابه الزجاجية قائلاً: «هذه الأكواب شرب بها توفيق الحكيم وإحسان عبد القدوس وسعاد حسني»، لافتاً إلى أن المشاهير من الفنانين والمثقفين والسياسيين يشربون مشروبات «الغلابة»، فنجيب الريحاني وسليمان نجيب كانا من عشاق العناب، كما أن نور الشريف وسعيد صالح ومحمود الخطيب من عشاق السوبيا، وهو مشروب الشعير بجوز الهند. وتعشق نبيلة عبيد مشروب قمر الدين مضافاً إليه عصير الليمون.