كان رغيف الخبز المطلب الأول لثورة "25 يناير" التي قام بها المصريون بعد تردّي الأوضاع الاقتصادية التي وصلت بهم إلى حد التقاتل أمام المخابز والأفران. وكان على المواطن المصري حينها، أن يعاني للحصول على الرغيف على رغم رداءته، والإنتظار في طوابير لساعات طويلة. ومن وحي ذلك أطلقت النكات للسخرية من الواقع، ومنها إن المصري يبيت ليله أمام الفرن حتى الصباح الباكر، وقد ينجب أحدهم أو يزوّج ابنته أثناء انتظار دوره، في الطابور. وما زالت الصورة التي تظهر تهافت عدد من المواطنين للحصول على رغيف خبز، حتى مزّقوه، من بين أشهر الصور التي تعكس الواقع قبل الثورة. فالرغيف كان مطلب عدد كبير من المصريين، حتى وإن كان رديئاً غير صالح للاستخدام الآدمي، كما أشارت تقارير صادرة عن وزارة الصحة. فالخبر يبقى المكون الأساس لطعام الغلابة. وقد تكون معرفة السياسيين بالدور الذي يلعبه الرغيف في حياة المصريين، الدافع وراء استخدامه للترويج لهم. إذ ظهر وزير التموين المصري خالد حنفي، أخيراً وهو يحمل رغيف خبز في لقطة تُعدّ الأشهر لوزير في السنوات العشر الأخيرة، بحيث كان الهدف الأول للوزراء يتمثل في حل أزمة الرغيف. وأثارت خطوة حنفي سخرية كثيرين اعتبروا أن الرغيف الذي عرضه الوزير يشبه ذلك الذي يُصور في الأفلام السينمائية فقط. وقال بعضهم ساخراً: «الرغيف ده مش حقيقي، إحنا عندنا استديوات في الوزارة بيعملوا فيها العيش ده، عشان الوزرا يتصوروا بيه»!. ويسعى حنفي الى توفير "العيش" للمواطن بمنظومة الكارت الذكي، وقال في هذا الصدد: «توفير العيش للمواطن مسؤوليتنا، وكذلك أيضاً الحرية والعدالة الاجتماعية؛ لأن فلسفة الوزارة الجديدة تقوم على أساس حرية اختيار المواطن لغذائه». صورة مشابهة لصورة حنفي كانت ظهرت سابقاً، مع باسم عودة، وزير التموين والتجارة الداخلية في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، الذي قال إن الرغيف الذي ظهر معه هو الذي ستقوم الأفران التابعة للوزارة بإنتاجه للمواطنين، للتخلّص من الصورة السيئة لرغيف الخبز، والتي تروّج أنه غير ملائم للاستخدام الآدمي، لاحتوائه على نشارة خشب، أو برادة حديد، أو مسامير، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى القول إن فيه أجزاء من الحيوانات والحشرات. في مقابل الوزيرين المتعاقبين، لم يكن الوزير محمد أبو شادي يحبّ التواجد في الأفران، وكان يفضّل عليها المجمعات الاستهلاكية والأسواق، فيتصوّر بجوار الفاكهة والخضراوت واللحوم والأسماك... ليبقى رغيف الخبز عابراً للحكومات المصرية، وعصورها المتتالية، في صور لا تُمحى.