لعل المفكر الإيرلندي برنارد شو، كان من أكثر الناقدين الساخرين شهرةً في عصرنا الحاضر، وعرف عن هذا الفيلسوف حبه للظرف، وإطلاق النكت حتى في أشد الحالات حلكةً وألماً، والغريب في الأمر أنه ترك المدرسة صغيراً، وانهمك في القراءة والتعلم الحر، حتى طفت شهرته على السطح. مُنح جائزة نوبل التي قبلها كتكريم ورفضها كمادةٍ نقديةٍ قائلاً: «إن جائزة نوبل تشبه طوق النجاة الذي يتم إلقاؤه لأحد الأشخاص، بعد أن يكون هذا الشخص وصل إلى الشاطئ»! ولم يسلم حتى نوبل من سخريته بقوله: «إنني أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت، ولكنني لا أغفر له أنه أنشأ جائزة نوبل»! لا يضر العباقرة الفقر، اذ كان هذا الفيلسوف فقيراً، ويحضرني في هذا ما قيل عن محادثةٍ جرت بين الفقيه ابن حزمٍ وفقيهٍ آخر نسيت اسمه، احتج على ابن حزمٍ بأنه نشأ في القصور فبز كثيراً من الأقران، لأنه وجد وقتاً للقراءة، بينما كان قرينه يتفقه في الأزقة على أنوار السرج، فرد عليه ابن حزمٍ بقوله: إن نشأتك هذه حجة عليك لا لك، لأنني نشأت في بيئةٍ تلهي وانشغلت عن لهوها بالطلب! كان برنارد يسخر من نفسه - كما فعل الجاحظ والطنطاوي – ومن مواقفه مع الآخرين، فيقول مثلاً عندما سُئِل عن حال الاقتصاد العالمي: لحيتي كثيفة ورأسي أصلع كالاقتصاد العالمي، غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع. وفي سخريته من استعباد الانكليز للتقاليد يقول: لن يكون الإنكليز أمّة عبيد، إنهم أحرار في أن يصنعوا ما تسمح لهم به الحكومة والرأي العام. ولم يسلم منه العاطلون عن العمل: لاحقَّ لنا في استهلاك السعادة بغير إنتاجها إلاّ كحقنا باستهلاك الثروة بغير إنتاج. قابله يوماً أحدُ الصحافيين الذي استأثر بالحديث كلّه، ولم يسمح له بأن يتحدث كلمة واحدة قال: لّما انصرف سمحتُ له بنشر الحديث شريطة أن يكتفي بما قلت ويحذف كل ما قال. ولم يكّف برنارد شو عن السخرية حتى وهو على فراش الموت، اذ علق حول التزامه الطعام النباتي لمدة 64 سنة بقوله: لي الحق في أن تُشيعّني قطعان من البقر والخراف والدجاج وأحواض الأسماك، وأن تمشي كلّها حداداً عليّ! البوكس [email protected]