أرجع عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف الدكتور نصر فريد واصل، كثرة الجماعات التكفيرية في العالم الإسلامي، وظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، إلى مؤامرة صهيونية - غربية تهدف إلى تقسيم العالم العربي والإسلامي، والتدخل فيه عسكرياً، وتشويه صورة الإسلام. وتحدث واصل الذي شغل سابقاً منصب مفتي الديار المصرية، في حواره مع «مدرسة الحياة»، عن دور الأزهر في صدّ خطر التطرّف، مؤكداً دور قانون «تنظيم الخطابة». * ما هو سبب انتشار الجماعات الإرهابية في العالم العربي؟ - وجود الجماعات الإرهابية ليس أمراً حديثاً. هذه الحركات والجماعات والتنظيمات ظهرت في العالم الإسلامي قبل عقود، وبدأ ظهورها مع بدء المؤامرة الصهيونية - الغربية على العالم الإسلامي. يجب أن نعرف أن الصهيونية العالمية هي التي تغذّي وتموّل هذه التنظيمات من أجل تفتيت وحدة العالم الإسلامي وتشويه صورة الإسلام أمام العالم. * كيف يدعم الغرب هذه الجماعات وهو يدعو إلى محاربتها؟ - الغرب يقف خلف هذه الجماعات ويمدّها بالسلاح والأموال، ويأخذ من وجود هذه الحركات المتطرفة حجّة له للتدخل في الأراضي العربية والإسلامية، ونهب ثرواتها تحت مُسمّى «القضاء على الإرهاب». الإرهاب والجماعات الإرهابية صنيعة الغرب في الأساس. * ما رأيك في رفع هذه الجماعات لواء عودة الخلافة الإسلامية؟ - إنه نفاق. كل أفعال الجماعات الإرهابية تصبّ في غير مصلحة الإسلام والمسلمين، والغرب يدفع بهذه الجماعات من أجل أن تشوّه الخلافة الإسلامية وتظهرها بمظهر دموي. وهذا عكس ما قامت عليه الخلافة الإسلامية، فالإسلام والسلام وجهان لعملة واحدة، والقرآن فيه آيات كثيرة تحرّم القتل والترويع، وهذا على خلاف المنهج الدموي لهذه الجماعات، لذا يجب ألا نطلق على أيٍّ من هذه الجماعات اسم «جماعات إسلامية»، لأن هذا فخّ وقعنا فيه بإظهارها على أنها جزء من الإسلاميين، وهو خطأ. هذه الجماعات ليست خوارج، ولا جماعات إسلامية متطرفة، لكنها جماعات منافقة، ليست من الإسلام في شيء. والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، كما أخبرنا القرآن الكريم. * كيف يمكن للمسلمين والعرب أن يتصدّوا لهذه الجماعات؟ - لا يوجد بديل غير الاعتصام بحبل الله، وعدم التفرّق. فرقة العالم العربي والإسلامي أعطت الفرصة لأعداء العرب وأعداء المسلمين لزرع هذه الجماعات التكفيرية، ووجدت هذه الجماعات العملية طريقها لتنمو وتنتشر وتعبث بالأمن والسلام بسبب عدم تعاملنا مع الوضع بصورة سليمة. الاعتصام سيعطي دفعة للعالم العربي من أجل محاربة هذا الفساد العظيم والخطر الذي يحيط بالمنطقة. * هل أخطأ الإعلام في تناول أمر هذه الجماعات؟ - نعم، ولنأخذ «داعش» مثالاً، فالإعلام روّج أن اسمها تنظيم«الدولة الإسلامية»، وهذا ما صدّره الغرب إلينا، ونحن سرنا خلفه، وأنا أقول: أين هي الدولة الإسلامية التي يروّجون لها؟ هذا فساد عظيم، ونحن لا ندري. جزء من هذه الوسائل الإعلامية التي تروّج ذلك، إما ساذجة ومخدوعة ولا تعي حجم المؤامرة، أو مدفوعة من الخارج للترويج لذلك، ونحن نعلم أن الإعلام الخاص أصبح لا يسيطر عليه أحد، وأصبح ذراعاً داخلية لتنفيذ أجندات خارجية. * كيف يمكن تصحيح مسار الإعلام في تعامله مع قضايا الجماعات الإرهابية؟ - من ينكشف أمره أنه يعمل لمصلحة أجندات أجنبية، يجب أن نتصدّى له ونقضي عليه. أما الجزء المخدوع من وسائل الإعلام، فله علينا أن نكشف له حقيقة الأمر، وننبّهه إلى طريق الصواب في التناول الإعلامي لهذه الجماعات، من دون تشويه صورة الإسلام، وتحميله خطايا هذه الجماعات. * كيف يتعامل الأزهر مع ظهور «داعش»؟ - الأزهر يؤكد أنه المرجعية الأولى للإسلام، وخرجت فتاوى عدة من علماء في الأزهر للتوضيح أن الإسلام يعظّم من شأن الدماء، ويرفض سفكها، إلا بالحق. وكشف ضلال هذه الجماعات التي تطلق على نفسها لفظ «إسلامية». كما أن الأزهر يعمل على توحيد كلمة الأمة الإسلامية في مواجهة هذا الخطر، وتفنيد ما تطلقه وسائل الإعلام من أن هذه «جماعات إسلامية»، وناشدت دار الإفتاء، في وقت سابق، وسائل الإعلام كافة بعدم استخدام عبارة تنظيم «الدولة الإسلامية» للإشارة إلى «داعش». * ماذا عن وضع هذه الجماعات التكفيرية في مصر؟ - هذا المخطط العالمي يصيب الأمة بأقطارها كلها، ومصر جزء مهم وقلب الأمة الإسلامية، لذا لا بد من أن تطولها المؤامرات. لكن «داعش» وغيره من التنظيمات والجماعات لن تستطيع أن تؤثر في مصر، لأنها (أرض الكنانة)، معروفة بوحدة شعبها وقوة جيشها الذي سيتصدى لها بكل قوة، ويمنع "داعش" من عبور الحدود للوصول إلى مصر. كما أن الأزهر ووزارة الأوقاف تتحركان منذ فترة طويلة بكل قوة لدرء خطر التطرّف عن مصر. * ما أبرز نشاطات الأزهر والأوقاف لصد التطرف داخل مصر؟ - دور الأزهر يكمن في التوعية الدينية، وإصدار الفتاوى، وبيان فساد منهج هذه «الجماعات»، وهذا على المستوى الإقليمي، كما أوضحت. أما داخلياً، فإن وزارة الأوقاف أخذت خطوات فعالة في تنظيم المساجد، بحيث لا يخطب فيها إلا من عيّنهم الأزهر، والمُصرّح لهم بالخطابة. * هل هذا يعني تأييدك لقانون «تنظيم الخطابة» في المساجد؟ - أنا أؤيده بكل قوة، وأرى أنه أمر ضروري لمواجهة التطرف الذي كان يحدث في المساجد التي لا تُشرف عليها الأوقاف. الخطابة أمر خطير، لأن العامة والبسطاء يتأثرون بكلام الخطيب، فيجب على الخطيب أن يكون من أهل الاختصاص، وأن يكون لديه تصريح يحصل عليه بعد التحقّق من أهليته للخطابة، وهذا من شأنه أن يُغلق الباب أمام التطرف والمتطرفين الذين يضللون الناس، ويروجون لمناهج بعيدة من صحيح الدين. وأكثر الفئات التي تتأثر بهذه الجماعات هي الشباب، الذين يصبحون قنابل موقوتة، يمكن في أي وقت استدراجها للعمل في تنظيمات إرهابية. * ما الكلمة التي توجّهها إلى الشباب المتأثرين بمنهج الحركات التكفيرية؟ - أريد أن أقول لهم ألا ينخدعوا بالكلام المعسول التي تروّجه هذه «الجماعات»، بأنها تريد أن تعيد للإسلام عزّته، فهم يدسّون السمّ في الدسم. عودة الإسلام لن تأتي بسفك الدماء تحت مُسمّى «الجهاد». كما أحذّرهم من منهج هذه «الجماعات»، لأنه منهج فاسد، وأحضّهم على أن يجعلوا الأزهر الوسطيّ مرجعيتهم الدينية، وأن يأخذوا منه الدين، فضلاً عن أن من واجبات الشباب في نصرة الإسلام وعزته أن يبذلوا الجهد والعرق في تخصصاتهم، ويجب أن تعمل المنظمات التربوية على تنمية وعي الشباب، وعدم تركهم فريسة للأفكار المتطرفة.