ظواهر عدة، بزغت في سماء الدراما المصرية في رمضان. سمات جديدة اكتسبها المُنتَج التلفزيوني كانت حتى الماضي القريب آفات تتعثر فيها الدراما المصرية، بينما واصلت عادات قديمة حضورها في الموسم الدرامي الرمضاني. في وقت قفز ممثلون من الصف الثاني وحتى الثالث وتبادلوا مواقعهم وفقاً لحجم الموهبة وصدقية تمثيل الأدوار. في اختصار، يبدو أن فترة حكم «الإخوان المسلمين»، على قصرها النسبي، أنتجت في شكل أو آخر رد فعل درامياً قوياً، لتتجاوز غالبية الأعمال الفنية خطوطاً كانت حتى الأمس القريب حمراء ويستحيل تمريرها من تحت مقص الرقيب. سيرة الرئيس السابق مبارك وحزبه الوطني وحاشيته الفاسدة مثلاً، كانت الحجر الرئيس في التابو السياسي، وتم اختراقها في أعمال عدة منها مثلاً «بدون ذكر أسماء» للسيناريست المخضرم وحيد حامد والمخرج تامر محسن، أو جملة مثل «ساعات ممكن تنسى إن في ربنا» في افتتاحية مسلسل «حكاية حياة» للمخرج محمد سامي والسيناريست أيمن سلامة، جانب من التابو الديني الذي بدأت عملية النخر فيه في بعض المجازفات الطليعية. ويبدو أن السنة التي حكم فيها نظام «الإخوان» أثارت احتقاناً فنياً، انعكس في تقديم شخصية «الشيخ» منزوع القداسة الموجودة في الكثير من المسلسلات على رأسها مسلسل «الداعية» لهاني سلامة، عدا عن دور «الشيخ شفيع» لأحمد حلاوة في «بدون ذكر أسماء» وغيرهما. أيضاً تشكل موازنات الإنتاج الضخمة ظاهرة جديدة مقارنة ب «الصفقات» الإنتاجية المحسوبة والموازنات التجارية التي كانت توضع للعمل الفني في الدراما المصرية، ويأتي مسلسل «حكاية حياة» على رأس الأعمال ذات الموازنات الضخمة. عودة الأدب كذلك تأتي عودة الروايات، لتكون مادة تُعالج في سيناريو تلفزيوني، كظاهرة مبشرة في هذا الموسم الدرامي، خصوصاً بوجود مسلسل «ذات» للروائي صنع الله إبراهيم، وهو العمل الذي حولته السيناريست الشابة مريم نعوم إلى مسلسل «بنت اسمها ذات» رفقة المخرجة كاملة أبو ذكري. ويبدو أن نعوم ستكون منفذاً لعودة الروايات الى الدراما المصرية مجدداً، إذ تقدم في هذا الموسم رواية أخرى كمسلسل، هي «منخفض الهند الموسمي» للروائي والسيناريست أسامة أنور عكاشة، والتي تحولت إلى مسلسل «موجة حارة» من إخراج محمد ياسين. ثم تأتي عملية الفرز، وتبديل الرتب، والتي عادة ما تعقب الثورات، لتعيد ترسيم أحجام النجوم ومواقعهم، فمثلما كانت المواسم الفنية اللاحقة لثورة يناير تمهيداً لاندثار ديناصورات فنية (عادل إمام وتامر حسني كمثالين)، يأتي هذا الموسم بأسماء جديدة، ويطيح أسماء أخرى. ويبدو أن هذا الموسم هو لممثلي الصف الثاني، كما أشرنا. فممثلون أصحاب أسماء مثل سيد رجب، صبري فواز، حورية فرغلي، أحمد زاهر، إنجي وجدان، محمد أبوالوفا، يتألقون في موسم الدراما الرمضانية في أدوار بسيطة تمهيداً للقفز إلى أدوار أكبر مستقبلاً. وفي السياق ذاته، تتجدد ظاهرة نجوم الغناء الذين يكشفون عن «مواهب تمثيلية كبيرة»، وربما يكون الأبرز هنا خالد سليم، روبي، مي سليم وأحمد فهمي. وبالمثل، تواصل الدراما المصرية استقبال الفنانين العرب ودمجهم في المنتج الفني، مثلما اعتادت أن تفعل، قبل أن تعاني في السنوات العشر الأخيرة نوعاً من العزلة والانكفاء على الذات. وتأتي سورية على رأس البلدان العربية المصدرة للممثلين، فكندة علوش، وجمال سليمان، وجمانة مراد وعابد فهد يظهرون في مسلسلات عدة، بينما تواصل «الطفرة الأردنية» حضورها بنجمين بحجم إياد نصّار، الذي أثبت جدارة وكوّن قاعدة جماهيرية في مصر، ومنذر رياحنة، كما تحضر أسماء مثل رزان مغربي، سيرين عبدالنور، درة زروق. فنّية الإعلانات وعلى هامش الموسم الدرامي في رمضان، تكونت سوق صغيرة وموازية، لتحويل الإعلانات التجارية إلى منتج فني. الإعلانات كفت عن أن تكون غنائيات باسم المُنتَج، أو شعارات من نوع «اختيارك الأفضل... نحن في الصدارة»، وتحولت في شكل ما إلى هامش مكمّل للمتن الدرامي في رمضان. أما القصة القصيرة فهي التيمة الرئيسة، بكل تجلياتها المتمثلة في المفارقات وتقديم معنيين أحدهما ظاهر والآخر مضمّن في سياق المادة المعروضة. اللعب على نوستالجيا الأجيال الشابة أيضاً تيمة جيدة ومعتمدة، إضافة الى استخدام تقنيات الإبهار البصري. كل هذا أدى إلى مُنتَج إعلاني يجوز تقديمه كقطعة فنية، في معزل عن المضمون التجاري.