يبدو أن الموسيقي اللبناني المشاكس زياد الرحباني الذي أصبحت مواقع حفلاته هي المثيرة للجدل أخيراً اكثر من موسيقاه، تصالَح مع مشروع إعادة إعمار بيروت وشركة «سوليدير» التي عُرف بمعارضته لها. فقد أعلن منظمو مهرجان «أعياد بيروت» مشاركة الرحباني هذا العام «بحفلة استثنائية في «أسواق بيروت» في 10 آب (أغسطس) المقبل، تتضمن مجموعة من أعماله اضافة الى مقطوعات موسيقية عالمية من الجاز والبوب». وتأتي الحفلة التي ستشارك فيها مغنيات عالميات منهن سيندا رامسر وكلوديا باتريس وبيرل رامسي ومنال سمعان، بعنوان «Dakt». الرحباني الذي بدأ مرحلة انفتاح، لا نعرف سرّها، على المناطق المسيحية في لبنان أخيراً (ضبيه، ضهور الشوير، قرنة شهوان، كنيسة مار الياس في انطلياس، وكسروان، وأنفة وفي شمال لبنان)، عاد الى بيروت هذه المرّة وليس أي بيروت، إذ عاد الى عقر دار المشروع الذي يعارضه بقوة. لكن السؤال ماذا سيقول في هذه الحفلات؟ وكيف سيكون شكل الحفلة في العاصمة اللبنانية المنقسمة بين مؤيّد ومعارض للثورة السورية ومساندة «حزب الله» للنظام السوري في القصير؟ وذلك بعدما اتّخذت حفلاته الأخيرة المثيرة للجدل في مضامينها السياسية والايديولوجية شكلاً بخاصة يجمع بين الأغنية والموسيقى والمسرح والاستعراض، ليُخاطب فيها صاحب «أنا مش كافر» و «بنص الجوّ» جمهوره ويحاوره على طريقته في ما يخصّ «جوّ البلد» الذي انقلب 180 درجة منذ بدء «الربيع العربي»، ليدخل دهاليز تضيّع شعبه الذي يبحث عن البوصلة منذ العام 1975. فهل يحقّ للجمهور البيروتي الذي عرف الفنان الشيوعي بمواقفه المناصرة للثورات والمناهضة للديكتاتوريات في السابق، أن يسأله هنا «شو هالأيام اللي وصلنالها» بعدما واجه اتهامات بتأييده للنظام السوري؟ وهل يمكنه أن يسأله عن سرّ عناوين حفلاته الغريبة التي تشبه عناوين البيانات الشيوعية القديمة والخطابات السياسية والعمليات العسكرية؟ وماذا عن عنوان حفلة «أسواق بيروت» «DAKT» الذي ليس له معنى لا بالانكليزية ولا بالألمانية ولا بأي لغة؟ على الأرجح أن زياد اعتمد كلمة غريبة مركّبة من أكثر مفردة لكي يزيد علامات الاستفهام ويكثّف جمهوره البحث في خبايا اللغات الأجنبية ليعرف ما يقصده... لكن من المؤكد أنه يقصد موضوعاً بحدّ ذاته، لا يعرفه إلا زياد! يذكر أن «DAKT» هو عنوان الحفلة التي كان من المفترض أن يحييها الرحباني في العام 2010 ضمن مهرجانات بيت الدين، وألغيت قبل أيام وقتها لأن «زكريا مرهق». في حفلاته الأخيرة، استطاع الرحباني أن يلعب بذكاء على تطويع حفلاته وأغنياته لتتجانس مع اهتمام الرأي العام اللبناني، ليقول من خلالها ومن خلال عناوينها رأيه السياسي أو ربما ليحضّ جمهوره على اتباع نهجه السياسي! ولكن، من المرجّح أن تكون حفلة وسط بيروت في 10 آب المقبل موسيقية بامتياز وأقرب الى أجواء المهرجانات الاحتفالية والترفيهية، يحتل فيها الجديد والقديم غير المنتشر مساحةً كبرى، كما كان مقرراً في حفلة بيت الدين. أو على الأقل، سيُوازي الفنان «غير الوسطي» أبداً في مواقفه السياسية كما في فنه الملتزم، بين الترفيهي والجدّي، والقديم (الذي قلّما قدّمه الرحباني في عزف حيّ) والجديد، والشرقي واللاتيني، والجاز والفانك، في الريبيرتوار الذي يحضّره وسيُفاجئ به جمهور وسط بيروت. فهل هذه عيدية الرحباني لأهل العاصمة اللبنانية لمناسبة عيد الفطر المبارك؟