الكويت أمام انتخابات برلمانية أخرى الأسبوع المقبل، والنتائج لن تختلف عن انتخابات شباط (فبراير) 2012، فالحكومة لا تزال على موقفها من كل القضايا الخلافية وكذلك المعارضة. السياسة فن الممكن، وهذه عبارة قالها بسمارك في القرن التاسع عشر وكانت عنوان مذكرات السياسي البريطاني ر.أ. بتلر في القرن الماضي. غير أن الكاتب البارز جون كينث غالبريث رأى رأياً آخر، فهو قال: السياسة ليست فن الممكن، بل هي الاختيار بين سيئ وأسوأ منه (كلماته كانت: بين كارثي وما لا يُهضَم). المعارضة الكويتية خرجت عن التعريفَيْن السابقين للسياسة، مع أنهما متناقضان، فهي تصر على كل شيء، ولم تحصل على شيء في الانتخابات السابقة ولن تحصل على شيء هذه المرة أيضاً، ما يعني أنها تحرم نفسها حق المشاركة في قرارات إزاء قضايا مصيرية في المنطقة وحولها. سأحاول الموضوعية وألتزم التهذيب، وأذكر من الانتخابات السابقة أن أحد رموز المعارضة السيد مسلم البراك قال: نريد المشاركة في الحكم، غير أن المشاركة لا تتم بالمقاطعة، فهذا دخول في الاستحالة. وقد خسرت المعارضة في الانتخابات السابقة بالتزام هذا الأسلوب الخاطئ وستخسر مرة ثانية، والرجوع عن الخطأ فضيلة. وهذا مع أن للمعارضة الكويتية دوراً مهماً يجب أن تلعبه في إدارة شؤون البلاد، وأن الديموقراطية لا تقوم أو تستقيم من دون معارضة. إشارتي الى الديموقراطية تجعلني أقول «سيرة وانفتحت»، فتعريف الديموقراطية منذ أن طلع بفكرتها أهل أثينا قبل ألفي سنة هو «رجل واحد صوت واحد»، وقد نقلها عنهم الرومان، فكان يمثلهم في روما شيوخ، ومفردها شيخ أو سناتور بلغة العصر، كما نرى في مجلس الشيوخ الاميركي. التعريف بقي هو هو حتى بداية القرن العشرين عندما حصلت النساء في بريطانيا على حق التصويت فاختار بعض أن يقول «شخص واحد، صوت واحد» على أساس أن كلمة شخص تنطبق على الرجال والنساء، إلا أن آخرين فضلوا أن يقولوا «رجل واحد (أو إمرأة) صوت واحد»، والمعنى يبقى من دون تغيير منذ أيام أثينا الأولى حتى اليوم. إذا شاء القارئ مزيداً، ففي سنة 1964 أصدرت المحكمة العليا الاميركية حكمها في قضية «رينولدز ضد سيمز» وأقرت مرة أخرى مبدأ «رجل واحد صوت واحد»، وكانت المحكمة برئاسة القاضي ايرل وارن، ولعله أشهر رئيس لها، وصدر الحكم بغالبية ثمانية قضاة ضد واحد. لست محامياً أو قاضياً، ولكنني حاولت الفهم ووجدت أن القضاة قرروا أن الدوائر الانتخابية يجب أن يكون فيها عدد متقارب من الناخبين، إذ لا يجوز أن ترسل دائرة تضم مئة مواطن عضواً واحداً يمثلها في مجلس الولاية، وأن ترسل دائرة مجاورة تضم مئة ألف عضواً واحداً أيضاً. المواطن، وأبقى مع المثل الاميركي، يستطيع أن ينتخب عضواً يمثله في مجلس الشيوخ، وعضواً يمثله في مجلس النواب، ثم هو ينتخب عضواً يمثله في مجلس الولاية، وقد ينتخب مدير الشرطة، ورئيس إدارة التعليم في الولاية وغير هؤلاء. إلا أنه في كل مرة يدلي بصوت واحد ويختار رجلاً أو إمرأة لتمثيله. المعارضة الكويتية تخالف تعريف الديموقراطية وروحها بطلب التصويت مرة ومرتين وأربع مرات لانتخاب نواب المجلس الكويتي. هذا الأسلوب ليس ديموقراطية بل تبادل منافع بين كتل تريد تمثيلاً برلمانياً يفوق حجمها. هذه الممارسة يسمونها بالانكليزية gerrymandering، عندما يحاول صاحب القرار أن يتلاعب بحدود دائرة انتخابية ليغير تشكيلة الناخبين فيها، وأوضح مَثَل أجده في إرلندا الشمالية، فقد تعدل حدود دائرة ليدخلها عدد إضافي من البروتستانت ليزيد حجمهم على عدد الكاثوليك في الدائرة، ويصبح ممثل الدائرة في البرلمان من البروتستانت بدل الكاثوليك. أكتب محاولاً إقناع المعارضة الكويتية بأن المقاطعة خطأ والتصويت أكثر من مرة خطأ آخر، ثم أسجل أن من حق المعارضة أن تعارض، ولكن ضمن نطاق القانون، فألفت نظر زعماء المعارضين الى خطأ آخر وجدته يتكرر في التصريحات السياسية هو تهم القبض والدفع والرشوة. هنا أستعين بواحد من أشهر صحافيي بريطانيا وهو سي بي سكوت الذي رأس تحرير «مانشستر غارديان» 59 سنة، وهو رقم قياسي، فقد قال مرة في مقال له: الرأي مجاني لكن الحقائق مقدسة، وترجمة ذلك أن الرأي حق لصاحبه يبديه كما يشاء لكن المعلومات يجب أن تكون صحيحة. هذا مبدأ عالمي وأيضاً قانون الأرض والسماء، فعندنا «على المدَّعي البيِّنة» وعندهم «عبء البرهان على المتهِم (بكسر الهاء)». أرجو أن تعيد المعارضة الكويتية النظر في بعض مواقفها وستجد أنها الكاسبة. [email protected]