يصنع الحدث هذه الأيام «سيسيان» ليس سياسيين، أولهما ضابط قمحي البشرة بملامح فرعونية اسمه عبدالفتاح السيسي، لم ينتظر طويلاً ليستجيب لمطالب شعب مصر الذي «تمرد» فخرج يوم 30 حزيران (يونيو)، مطالباً بتنحية مرسي من الكرسي، فأصدر قراراً انتصر فيه للإرادة الشعبية على حساب الشرعية الانتخابية، لتجد مصر نفسها حائرة بين ميدانين، وثانيهما اسمه بابيس سيسي، وهو لاعب سينغالي محترف بنادي نيوكاسل، «تمرد» على فريقه، ورفض ارتداء القميص الذي يتضمن دعاية شركة قروض تتعامل بالفوائد الربوية، وهو ما يرفضه المسلم في شهر رمضان وغيره، ليفتح أزمة بينه وبين فريق لا يريد أن يخسر صفقة مهمة، تضمن بموجبها الشركة الربوية رعاية طوال الموسم، فضحى سيسي بمرتب يفوق 60 ألف دولار أسبوعياً في سبيل قناعة دينية لا تقبل القسمة على اثنين. لقد ضحى سيسي الأول بالشرعية، لأنه رأى أن الشعب بخروجه الواسع وإصراره على التغيير لم يعد قادراً على مواصلة التعايش مع تجربة غير مأمولة العواقب، وهو ما دفع أنصار مرسي إلى المطالبة بإعادة الدكتور وإبعاد الفريق، بينما ضحى سيسي الثاني بمصلحته المادية في سبيل أن ينتصر لدينه، ويبعث برسالة قوية في بلد تتعايش فيه الأديان، ولكن تبتعد فيه السياسة والدين عن الملاعب، وهو ما كسره سيسي بموقف جعل إدارة النادي تفكر في التخلي عنه، وبين سيسي مصر وسيسي السينغال يبقى الاحتكام للشريعة هو سيد الموقف، وليس بينهما رأي ثالث. إن ما قام به سيسي القاهرة ليس جديداً في كثير من البلدان التي تكون الديموقراطية فيها امتحاناً في القدرة على قبول الآخر، ولعل مصر التي تتكئ على 7 آلاف سنة من الحضور في التاريخ، لا تملك 7 آلاف يوم في ثقافة التداول على الحكم، لأن روح الثقة منعدمة بين فرقاء السياسة، وفي غياب دستور قوي يحتكمون إليه، يبقى الجيش هو حكم بعد أن كان حاكماً، فلا حل إلا في تغليب منطق المصالحة، لأجل مصلحة مصر وتجاوز الاحتقان، لا أحد يدري إلى أن ينتهي. وأما ما قام به سيسي نيوكاسل، فيؤكد أن النزعة الدينية بدأت تبرز في شكل قوي لدى الرياضيين المسلمين الذين لم يعودوا يكتفون بالصمت، إزاء بعض الممارسات التي تتناقض وقناعاتهم الروحية بل قاوموها، فمثلما يتصرف كانوتي ومونتاري وريبيري وبلفوضيل وغيرهم، بفرض حقهم في أن تُحترم مشاعرهم الدينية في الصوم وممارسة شعائرهم وطقوسهم، فإن سيسي نبّه إلى مسألة أعمق هي أن الترويج لمصرف يقدم قروضاً بفوائد عالية يتعارض مع روح الشريعة الإسلامية، ولا يجوز التناقض مع الذات، وهذا من شأنه أن يفتح نقاشاً خارج الملاعب حول مسألة الربا وما يتعلق به، مثلما فتح الاتحاد الدولي لكرة القدم قبل أعوام نقاشاً علمياً حول أثر الصيام على الأداء البدني للاعبين، فاكتشف الخبراء أن المدربين مخطئون عندما يعتقدون أن اللاعب الصائم يفقد كثيراً من قدرته البدنية بل على العكس من ذلك، فالتوازن الروحي والبدني يكون على درجة عالية لدى الصائمين، ولكم أن تسألوا سيسي أبوقبعة، لماذا ثار ضد الربا السياسي؟ أو سيسي أبوقميص لماذا رفض الربا المالي؟ فكلاهما يملك حجةً في ذلك. [email protected]