أقدمت هيئة الاتصالات السعودية قبل شهرين تقريباً - وفي قرار ضد رغبة المجتمع، ورغبة الشركات المقدمة للخدمة، وضد رأي مجلس الشورى - على إلغاء مجانية استقبال المكالمات للمسافرين خارج السعودية. هذا القرار تأثر منه بالدرجة الأولى الطلاب المبتعثون الذين يربو عددهم مع عوائلهم على 250 ألف نسمة. كما تضرر منه، وإن بدرجة أقل، السواح والمسافرون السعوديون في الخارج. العذر الذي ساقته الهيئة حينما أقدمت على إلغاء مجانية الاستقبال هو وجود عدد كبير من شرائح الاتصالات السعودية في الخارج، يستفيد منها غير السعوديين، ويستقبلون بها المكالمات من السعودية مجاناً. وأما أوجه الضرر فهي حاجة المبتعث والمسافر للشريحة السعودية معه لاستقبال رمز التفعيل للخدمات البنكية في كل مرة يدخل إلى حسابه إلكترونياً ليحول أو يسدد أو يجري أية عملية مالية أخرى. وهذا الإشكال أوقع كثيراً من المبتعثين والمسافرين في حرج كبير، فالشخص مضطر للاحتفاظ بالشريحة السعودية معه دائماً، ولا يستطيع إيقافها مؤقتاً أو إلغاءها حتى مع حصوله على شريحة من إحدى شركات الاتصالات في البلد الذي يقيم فيه. شركات الاتصالات بدورها لم تعدم الحيلة للتغلب على قرار الهيئة بإلغاء مجانية التجوال، فأصبحت أول رسالة تصل للمواطن السعودي بمجرد أن تطأ قدماه أرض دولة أخرى تقول بالنص «أرسل MTC1M إلى رقم الشركة المجاني، واحصل على استقبال غير محدود للمكالمات لمدة شهر مقابل 30 ريالاً فقط». وهذا معناه أن عذر الهيئة بأن من يستفيد من مجانية التجوال هم الأجانب غير مقنع. فما الذي يمنع الأجنبي المقيم في السعودية من دفع 30 ريالا والتحدث طيلة الشهر إلى عائلته وأصدقائه في بلده بلا أية تكلفة أخرى غير ال30 ريال؟ وهل ستمنع ال30 ريالاً تسرب الشرائح السعودية واستعمالها في الخارج أو توقفه؟ الإجابة بالطبع لا، وألف لا. فال30 ريالاً لا تفرق كثيراً عن المجاني. وكل الرجاء أن تعيد هيئة الاتصالات النظر في قرارها، فالنتيجة المرتجاة منه لا تشجع على المضي فيه. هيئة الاتصالات أيضاً، دخلت في تحد خاسر مع المجتمع، ومع الشركات العالمية، حينما أوقفت خدمة «الفايبر» المجانية، وسعيها حالياً لإيقاف خدمة «الواتساب»، ما لم تلتزم الشركة المقدمة للخدمة باشتراطات الهيئة. ورغم أن هذه البرامج وغيرها قد تحمل بعض السلبيات، إلا أن قرار الحجب والمنع والإيقاف هو أسوأ القرارات لمواجهة سلبياتها. فالإيقاف لن ينفع، ولم ينفع مع خدمة «الفايبر» التي عادت بعد أسبوعين من قرار الهيئة بحجبها على رغم قرار الهيئة وإرادتها. ولن تعدم الشركة المقدمة لخدمة «الواتساب» طريقة للعودة إلى السوق السعودية حتى مع إيقاف الهيئة للخدمة. وحتى وإن نجحت الهيئة في إيقاف خدمة ما، فالأيام حبلى بالجديد، ووسائل الاتصالات والتقنية تتجدد وتتقدم يومياً، وليس من الحكمة مواجهة كل الخدمات الجديدة بالحجب والإيقاف. فالمواطن السعودي لن يعيش خارج الزمن، والحكومة تقدم نفسها رائدة حوار الأديان، ومستمرة في حوار المملكتين مع بريطانيا، وغير ذلك من المبادرات التي تسعى من خلالها إلى تقديم البلد كجزء من العالم الكبير، يؤثر ويتأثر بما يجري فيه من أحداث. ولذا فإن قيام هيئة الاتصالات بحجب وإيقاف الخدمات التي يستخدمها كل مواطني العالم مجاناً، يعطي رسالة سلبية للعالم عن السعودية، ويظهرها كبلد يراقب أنفاس الناس وكلماتهم، وهي رسالة غير حقيقية وغير صحيحة، ولكنها ستصل هكذا بسبب قصر نظر مسؤولي هيئة الاتصالات، ويكفي مشاهدة اليوتيوب الذي تناقلته مواقع الإنترنت إذ لم تتمالك مذيعة «السي إن إن» نفسها عن الضحك وهي تقرأ خبر إيقاف هيئة الاتصالات لخدمة «الواتساب» في السعودية. ختاماً، هيئة الاتصالات حينما أنشئت كان الهدف منها تطوير خدمات الاتصالات في السعودية، وفتح السوق للمنافسة، وهذا ما كانت تقوم به الهيئة فعلاً في عهد إدارتها السابقة، ولكن الهيئة تحولت عن هدفها في عهد إدارتها الحالية لتصبح هيئة «منع المجاني»، علماً أن تقريراً صدر أخيراً عن هيئة حماية المستهلك السعودية يثبت بالأرقام أن متوسط كلفة المكالمات في السعودية يبلغ 35 هللة، في مقابل 7 هللات فقط في الدول المجاورة للسعودية. وهو التقرير الذي لم تعلق عليه هيئة «منع المجاني» السعودية، واستمرت في ممارسة هوايتها في حرمان المواطن السعودي من خدمات يتمتع بها كل مواطني دول العالم بلا تكلفة. يا هيئة الاتصالات توقفوا عما تقومون به رجاء، فالمنع والإيقاف والحجب انتهى زمنه، والسعودية ومواطنوها يرفضون العيش خارج التاريخ الحديث للعالم، والذي بدأ مع انطلاقة الشبكة العنكبوتية. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية.