كرَّس بعض المدخنين جل إرادتهم لاستغلال ساعات الصيام في الإقلاع عن التدخين بأشكاله كافة، ويجد البعض الآخر منهم أن الإقلاع عنه من «سابع» المستحيلات لكونه بحاجة إلى عزيمة وإصرار شديدين، فيما برهن بعض المتخصصين أن التدخين عادة تتحول إلى إدمان مزمن حال فسح المجال لتطورها. لكن سامح عبدالله (مدخن سابق) يعترض على وصف الإقلاع عن التدخين بالأمر المستحيل وقال ل«الحياة» إن الإقلاع عن التدخين ليس من المستحيلات»، لافتاً إلى أن (الإقلاع) هو أقل ما يجب فعله نحو التمتع بصحة وجسد سليمين. وكشف سامح عن طريقته التي أتبعها في الإقلاع عن التدخين التي تزامنت مع شهر رمضان الماضي وقال: «ثمة عرقلة كبيرة ستقف أمام المدخن الراغب في الإقلاع حال استمراره في البقاء في مكان يجتمع فيه المدخنون، لأنهم جعلوه عادة روتينية، وما فعلته هو إعادة تشكيل حياتي». وأضاف: «هناك قرارات كثيرة للإقلاع عن التدخين عدلت عنها ولم أكن ذا عزيمة أمامها، لكن قراري في الابتعاد عن تجمعات المدخنين وديوانيات الشباب كانت الأصعب والأهم في حياتي، لأنها جعلتني أمتنع عن التدخين». وتابع: «مند عام وأنا لا أدخن تماماً وأعتبر نفسي مجرد (مدخن سابق)». ويعتبر سامح أن شهر رمضان كان له أثر كبير على حياته «لأنه الشهر الأول الذي أقلعت فيه ولم أعد إليه حتى الآن». ويسرد أمجد فؤاد (مدخن سابق) أيضاً حكايته ويذكر الطرق التي اتبعها للإقلاع عن التدخين. وقال: «حرصت على أن تكون إجازتي الشهرية خلال شهر رمضان الكريم، على اعتبار أنني مدخن شره لا يستطيع الحياة بلا تدخين». وقال عن نظامه السابق: «السيجارة هي إفطاري، لذلك التزمت إجازة سنوية في رمضان طوال أربعة أعوام سابقة، فأصبحت أنام في النهار وأستيقظ قبل الآذان بنصف ساعة». وأضاف: «في العام الأخير تغير نظام حياتي بشكل إجباري، على رغم أني كنت في إجازة، لكن عمل والدي التطوعي لأحد المساجد دعاني للنهوض باكراً في تمام الساعة ال12 ظهراً، وكان الأمر في بدايته صعباً جداً، لكنني وطنت نفسي على عملي المساند لوالدي، حتى أصبحت عودتنا للمنزل قبل الآذان بدقائق عادة يومية»، وعقدت العزم على عدم التدخين. وتابع: «من ضمن الأشياء التي ساعدتني في ذلك، مصاحبة الكبار في المسجد، ومجالسة أشخاص ممتنعين عن ممارسة «العادة»، وهو جعل من الصعب عليَّ حمل سيجارة أمامهم»، ويصف أمجد حاله قبل وبعد: «كنت أسيراً للسيجارة، لكنني الآن صرت حراً لا تقيدني أي عادة ضارة، خصوصاً بقبح عادة التدخين». واعتبر حامد زياد أن مجرد التفكير في الإقلاع جهراً أمراً مخيفاً، وقال: «حاولت مراراً الإقلاع عنه، لكنني في كل مرة باءت محاولتي بالفشل»، وأضاف: «أنا طالب أدرس في الطائف، وصديقي الذي يزاملني في السكن مدخن شره، ينتظر أذان المغرب ليشعل النارجيلة، في البداية كنت أدخن السيجارة فقط، لكنني الآن أدخن النارجيلة أيضاً». وعن خطته في رمضان قال: «أعتقد أنها فرصة جيدة للإقلاع عن نصف الكمية على الأقل، ويساعدني في ذلك وجودي مع عائلتي التي ترفض التدخين بتاتاً»، ويصف حامد التدخين «بالسم القاتل البطيء»، معترفاً بأنها «عادة سيئة تملك صاحبها وتحوله عبداً لها»، ناصحاً ب«عدم الانجرار لها»، وقال مخاطباً المدخنين: «لا تعتقدوا بأنها متعة، بل هي ألم وإدمان سيئ بحاجة إلى إرادة وعزيمة قويتين». وترى الاختصاصية النفسية الجوهرة محمد أن التدخين «عادة تجر صاحبها إلى إدمانها»، واعتبرت أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية، سبب مهم في جذب معظم أفراد المجتمع إلى التدخين»، وقالت: «إن المدخن يبدأ بالتجربة سراً، ثم ما يلبث أن يجاهر بها تمرداً، وتسهم بعض المعتقدات الخاطئة في الانجرار إلى تلك العادة، من ضمنها التفكير السلبي على أنها دلالة للرجولة، وهو ما يُشاع بين فئة المراهقين». ونصحت الجوهرة المدخنين ب «التعامل مع الصيام على أنه فرصة ذهبية للإقلاع، بشرط عدم الحصول على إجازة، بل استغلال فرصة النهار لتقوية إرادتهم في الإقلاع عنه، وعلى الذي يتمتع بإجازة أن يمنح نفسه فرصة التعايش مع موهبةٍ ما، أو عمل تطوعي أو ممارسة العبادة والرياضة أثناء النهار». وأضافت: «من أهم مقومات نجاح الفكرة هي عدم وجود الفرد خلال فترة محاربته للعادة في أي مكان يوجد فيه التدخين، كذلك عليه قطع الأمر نهائياً لتصبح فكرة عدم التدخين عادة كما كان التدخين بالنسبة إليه عادة». وتابعت: «لن أستطيع شرح الفارق الكبير لحياة الفرد المدخن مقارنة بغير المدخن إلا حينما يجرب الشخص الأمر بنفسه ولو 24 ساعة كاملة، ومن استطاع الصمود خلال تلك الفترة فبمقدوره الاستمرار على ذلك الحال طوال حياته».