في الجامعة بدأت التدخين. كانت السيجارة وسيلة للتعبير عن تمرد، لكنها مع الوقت أصبحت متعة، حتى استبد بي التدخين. كنت أشعل السيجارة في القلق، والانتظار، والتفكير، والجوع، والشبع. صارت السيجارة قرين مشاعري وسلوى نفسي. باتت عضيدي في الهم والفرح. ومن فرط سيطرتها على حياتي، أصبحت أرفض مجرد التفكير في الإقلاع عن التدخين. أرفض التخلي عن هذه العادة المثيرة. صارت السيجارة جداراً معنوياً أستند اليه على نحو وصل الى درجة الإيمان. لكن السعادة لا تدوم. دخلت علاقتي بالسيجارة توتراً سياسياً. بدأت المؤامرات تحاك ضد السيجارة وضدي من كل حدب وصوب. مؤامرة هدفها تدمير هذه الصغيرة المشتعلة وهجاً ومشاعر. أعلنت الحكومات رفع أسعار التبغ، وشركات الطيران منعت التدخين، ودول العالم المتقدم حرمت المدخنين متعة السيجارة في الأماكن المغلقة والمطاعم. زادني هذا التحدي إصراراً. وجدت في دول العالم الثالث سنداً وملجأ، على رغم ان السيجارة صناعة إمبريالية. أصبحت بيروت وعمان والقاهرة والرياض مدناً لمقاومة الحرب الظالمة على السيجارة. صارت مدناً للحرية. وصلت المؤامرة دولنا. بات التدخين يمنع في المكاتب والأسواق التجارية، وأثناء القيادة، وفي المقاهي، و «الكوفي شوب». بدأت أسوار المقاومة تنهار. غادر رفاق الماضي أرض المعركة واحداً تلو الآخر. صرت وحيداً، إلا من عزيمة المقاومة ونفث الدخان. لكن طوفان «البيئة النظيفة» اصبح لا يقاوم. جعلني أشعر بالوحدة. وصل شعور الذل والمهانة الى يدي واستقر في قلبي. صرت أتوارى من الخجل. أقف خارج مكتبي أدخن كأنني أسرق. وفي المطعم أستعجل عائلتي بالخروج لأدخن. وعند بوابات المطار أتسول مكاناً للتدخين. وأحياناً أهرب إلى دورات المياه من اجل سيجارة. حان وقت الاستسلام. صار الخيار بين السيجارة والكرامة حتمياً. يا الله ما اصعب هذا الخيار. سقط مقاوم، وان شئت مدخن عريق. توقفتُ عن التدخين. لكنني، بعد قليل، اكتشفت ان التوقف عن التدخين كرامة لم أعرفها من قبل. بعد خمسة أسابيع اتضحت لي خيوط المؤامرة الحقيقية. أشتعل الآن بحب الحياة وبالعزيمة. صرت اكثر سعادة وحيوية. تغيرت وتيرة إنتاجي، وصفاء ذهني. ولدت من جديد. اكتشفت أنني كنت مخدراً على مدى عشرين سنة. كنت ضحية مؤامرة اسمها وهم السيجارة. لن أندم لأني دخنت يوماً. ولكن، سأندم إذا عدت الى التدخين.