عقد وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأربعاء محادثات مكثفة في عمان في إطار جهوده لإحياء عملية السلام، التي تضاربت الأنباء بشأن نتائجها، إذ نقلت «فرانس برس» عن مسؤول فلسطيني كبير حدوث تقدم في محادثات كيري مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وأن كيري سيعلن استئناف عملية السلام قبيل مغادرته المنطقة الجمعة، فيما استبعد مسؤول فلسطيني آخر حدوث مثل هذا التقدم. وتبحث القيادة الفلسطينية اليوم (الخميس) في مصير خطة كيري لإعادة إطلاق المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية. واجتمع كيري مجدداً الأربعاء بالرئيس الفلسطيني محمود عباس عقب اجتماعه صباح أمس بأعضاء اللجنة المصغرة المنبثقة من لجنة مبادرة السلام العربية التي اطلع أعضاءها على محادثاته وأفكاره لإعادة إطلاق مفاوضات السلام المباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل والمتوقفة منذ عام 2010، بحسب مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية. وقالت وزارة الخارجية الأردنية التي استضافت الاجتماع الأول في بيان أن «الوفد العربي أكد التزامه بتحقيق سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط بالتعاون مع الولاياتالمتحدة ومع كافة الأطراف ذات العلاقة». وأضافت أن الوفد أكد كذلك «دعمه الكبير لجهود كيري لإعادة استئناف وإحياء مفاوضات سلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي». واعتبر الوفد بحسب البيان أن «الأفكار التي طرحها كيري أمام اللجنة اليوم تضع أرضية وبيئة مناسبة للبدء بالمفاوضات خصوصاً العناصر السياسية والاقتصادية والأمنية الجديدة المهمة». وعبر عن أمله بأن «يؤدي ذلك إلى إطلاق مفاوضات جادة تعالج كل قضايا الحل النهائي لإنهاء الصراع وتحقيق سلام عادل وشامل بين الفلسطينيين وإسرائيل»، مؤكداً «الالتزام بمبادرة السلام العربية». وشارك بالاجتماع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي ووزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي إضافة إلى وزراء ومسؤولين من البحرين والأردن والكويت والمغرب وقطر والسعودية والإمارات، بحسب مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية. ومثل القاهرة في الاجتماع السفير عمر أبو العطا، ممثل مصر الدائم في الأممالمتحدة. وجاء الاجتماع غداة محادثات أجراها كيري مع عباس استمرت خمس ساعات مساء الثلثاء في عمان حيث تناولا إفطاراً رمضانياً. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية في بيان حينها أن الطرفين «تابعا محادثاتهما المستمرة منذ أشهر وتناولا التطورات الأخيرة في المنطقة». وأضاف أن عباس وكيري «ناقشا كذلك تفاصيل خطة اقتصادية من شأنها أن تساعد في تعزيز الاقتصاد الفلسطيني» من خلال استقطاب نحو أربعة بلايين دولار في الاستثمارات الخاصة في الأراضي الفلسطينية. وتضاربت الأنباء بشأن نتائج اجتماعات كيري. فقد أعلن مسؤول فلسطيني كبير طلب عدم الكشف عن اسمه لوكالة «فرانس برس» أن «وزير الخارجية الأميركي مصمم على أن يعلن قبل مغادرته الجمعة إعادة استئناف المفاوضات»، مؤكداً حصول «تقدم في اللقاءات مع كيري بعد أن قدم مبادرته أمس للرئيس محمود عباس خلال اللقاء في عمان». إلا أن الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة ذكر أن الرئيس عباس سيعرض نتائج لقاءاته مع كيري أمام القيادة الفلسطينية في اجتماعها المقرر الخميس (اليوم) لتتخذ قرارها بشأنه. وتضاربت الآراء بين الأوساط القيادية الفلسطينية بشأن فرص العودة إلى المفاوضات. ففيما يرى البعض أن هناك فرصة للعودة إلى مفاوضات محدودة لمدة 6-9 شهور، يرى البعض أن مثل هذه المفاوضات ستكون إضاعة للمزيد من الوقت. وقال مسؤول فلسطيني رفيع إن كيري لم ينجح في حمل إسرائيل على الموافقة على اعتماد حدود العام 67 أساساً للمفاوضات، وعلى تجميد الاستيطان، وإطلاق سراح جميع أسرى ما قبل اتفاق أوسلو. وأضاف: «حمل كيري موافقة إسرائيل على تقليص البناء في المستوطنات وليس تجميده، وعلى إطلاق أسرى ما قبل أوسلو على دفعات خلال المفاوضات لكن من دون ضمانات، إلى جانب الخطة الاقتصادية التي باتت معروفة». وفي حال رفض القيادة الفلسطينية قبول المقترحات الأميركية، فإنها ستجد نفسها في حل من تعهدها السابق بوقف مساعيها الرامية إلى الانضمام إلى المنظمات التابعة للأمم المتحدة. ورجح مسؤولون فلسطينيون أن يتجه الرئيس محمود عباس، والحال هذه، للانضمام إلى المنظمات والوكالات الدولية. وكان عباس أوقف جميع الإجراءات الخاصة بالانضمام إلى هذه المؤسسات بناء على طلب وزير الخارجية الأميركي كيلا يؤثر ذلك على جهوده الرامية إلى خلق مناخات مناسبة لإعادة إطلاق المفاوضات. وطالب الجانب الإسرائيلي كيري بالحصول على تعهد خطي من الجانب الفلسطيني بعدم التوجه إلى الأممالمتحدة أثناء المفاوضات. وتوقع مسؤولون فلسطينيون أن يجري الانضمام إلى «ميثاق جنيف» و «مجلس حقوق الإنسان» وإلى العديد من المؤسسات والمنظمات والوكالات والمواثيق الدولية. وتجري الجهات الفلسطينية المختصة دراسات لإمكانية الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية. لكن مسؤولين في السلطة يرون أن الانضمام إلى هذه المحكمة يتسم بالتعقيد بسبب حجم الشروط المفروضة على أعضائها. وتثير نية الفلسطينيين الانضمام إلى المنظمات الدولية الكثير من الإزعاج في إسرائيل خصوصاً أنه يترافق مع تزايد المقاطعة الدولية للمستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. وجاء قرار الاتحاد الأوروبي الأخير القاضي وقف كل أشكال الدعم والتعاون مع إسرائيل وراء حدود العام 67 ليضيف المزيد من القلق الإسرائيلي. واستبعد مسؤولون فلسطينيون أن يتنحى الأميركيون جانباً في حال فشل جهود كيري في إعادة إطلاق المفاوضات. وقال مسؤول فلسطيني رفيع ل «الحياة» إن «الأميركيين يخفقون في جميع المناطق: اخفقوا في العراق وأفغانستان وسورية ومصر وغيرها، واليوم يخفقون في فلسطين». وأضاف: «الأميركيون يفشلون، لكنهم لا يغادرون المشهد، بل يواصلون شراء المزيد من الوقت، وإدارة الأزمات بسبب فشلهم في حلها». وتابع: «حتى لو وافقنا على العودة إلى المفاوضات فإنها لن تكون سوى مضيعة للوقت لأننا نعرف جيداً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ليس لديه أي نية للتوصل إلى اتفاق سلام، وأن أولوليته الأولى هي استمرار الاستيطان». وعلى عكس الجولات السابقة في المنطقة لا تتضمن جولة كيري الحالية حتى الآن أي لقاءات مقررة مع نتانياهو.