العوز والإصرار على إكمال الدراسة الجامعية دفعا هدى محمود للعمل بائعة متجولة داخل الأسواق الشعبية وسط جدة القديمة. وتقول: «أرغب في إتمام دراستي الجامعية والحصول على وظيفة مرموقة في إحدى الشركات، لذا أحرص على العمل في الفترة المسائية، خصوصاً في نهاية الأسبوع لتوفير حاجاتي وحاجات أسرتي». أسرة هدى محمود من ذوي الدخل المحدود، ولا يكفي راتب والدها التقاعدي للإيفاء بالتزامات أسرتها، ولذا اضطرت إلى كسب لقمة عيشها، «عملي في البيع خلال البسطة يدرّ عليّ دخلاً بسيطاً استطيع به توفير مصاريفي ومساعدة أسرتي في حاجاتهم». وهدى محمود ليست الفتاة الوحيدة التي دفعها العوز للعمل بائعة متجولة داخل السوق، فصالحة الحارثي تعمل في السوق منذ ثماني سنوات، اضطرت خلالها إلى نقل مكان بسطتها في أسواق عدة بحسب المواسم والحاجة. وتؤكد صالحة: «أجبرتني ديون زوجي وقلة الدخل الذي نحصل عليه من راتبه التقاعدي، إضافة إلى مرضه على الانتقال بين الأسواق وتنويع البضاعة التي أبيعها بحسب الأمور التي يفضل شراءها المتسوّق»، موضحة أنها بدأت في سوق باب مكة ببيع البخور والنقابات والطرح النسائية، ولكن لكثرة السيدات اللاتي يبعن هذه البضاعة انتقلت إلى سوق البلد وغيّرت بضاعتها إلى ما هو مطلوب أكثر. وتضيف: «لا يوجد معدل ثابت أجنيه كل يوم، فهذا يعتمد على كثرة المتسوقين، ففي أحد الأيام حصلت على سبع ريالات لا تكفي حتى لعودتي إلى المنزل». وكان لطلاق أم خالد وقلة ما في يدها دور في دخولها مجال التجارة النسائية، وكان همها الوحيد في البداية هو كيفية الصرف على أطفالها، «بعد طلاقي من زوجي وتركه الأولاد وعدم صرفه عليهم بحثت عن عمل استطيع من خلاله الحصول على ما يسد حاجاتهم، وكنت أشعر بالخجل عند بيعي للناس وعرض بضاعتي عليهم، ولكن مع مرور الأيام أصبحت البسطة مصدر رزقي الأساسي». وتابعت: «في بداية عملي وجدت بعض المضايقات من أصحاب البسطات الأخرى من النساء اللاتي يعملن منذ سنوات في السوق ذاتها، وضقت ذرعاً بتحرش الزبائن والمارة بي، ولكن حاجة أسرتي جعلتني أصبر على كل هذه الأمور خلال فترة السنوات الخمس». من جهته، اعتبر مدير إدارة الأسواق في أمانة جدة محمود كنسارة هذا النوع من العمل التجاري أو ما يسمى ب«البسطات» ممنوعاً، مبرراً: «البسطات الدائمة الاستثمارية لها عقود مسؤولة عنها البلدية الفرعية، ويجب أن تكون هناك جولات مستمرة للتأكد من عقودهم الاستثمارية». ويؤكد كنسارة: «البسطات الدائمة في الاستثمار لها تنظيم ولها مواقع مرقّمة وعقود، وبموجب العقد السنوي تستخرج رخصة من البلدية الفرعية ولها مجموعة من الشروط، أهمها أن تكون السيدة سعودية»، مشيراً إلى أن هناك أنواعاً مختلفة من البسطات، منها بسطات مستقطعة لا تتدخل فيها البلدية، سوى بالتأكد من نظاميتها من صاحب المحل، وذلك بأن يستقطع جزءاً من محله لعمل بسطة يعرض فيها ما يريد، وأيضاً بسطات موسمية تأتي في رمضان أو العيد ومعظمها في منطقة البلد، ويتم بيع المأكولات الشعبية أو الخردوات التي لها علاقة بالموسم، والبسطات الدائمة وتكون بأخذ رخصة سنوية من البلدية الفرعية.