في قرية كياد الواجهة التجارية لمركز وادي حلي التابع لمحافظة القنفذة، ما زال أهلها يحافظون على عادتهم التجارية القديمة التي انطلقت منذ عشرات الأعوام وما زالت، إذ يضع كل تاجر بسيط وقبل بداية الشهر الكريم طاولته المتواضعة في ناحية من السوق الشعبي الموسمي الذي لا تقوم قائمته إلا في الشهر التاسع من كل عام، إذ يوفر على أهل القرية عناء البحث ومشقة التبضع بعيداً عن مواطن أهلهم ومحال سكنهم. الأمر نفسه بالنسبة لكثير من قرى وادي حلي التي كانت تمتلك سوقاً رمضانياً شعبياً تجتمع فيه البضائع المخفضة والمطالب المخصصة لاستقبال الشهر الفضيل، مثل علب العصير بمذاقه الفريد الآتية من أسواق جدة القديمة والتونة والشوربة والمكرونة التي تزدحم على طاولات السوق وقد جلبت من أسواق جازان واليمن ومكة المكرمة وسواها من مدن المملكة التجارية الكبرى. يجول الباعة المتخففون من حمل الطاولات الثابتة ويتناول الصغار المتخفون عن أعين الكبار شرائح البطاطس المهروسة وينتشر الزبائن على أطراف السوق وحول الطاولات، بينما ينادي أصحاب البضائع بشعاراتهم التسويقية التقليدية: «فطورك يا صائم»، «شفوتك لا يفوتك». الأسواق الرمضانية الشعبية التي تنتشر في أطراف محافظة القنفذة وفي أريافها تقام في ساحة موسمية تخلو طوال العام إلا أيام رمضان ال30 إذ تتحول إلى مهرجان اجتماعي وتجاري ضخم، يشغل طاولات البيع عادة أهل القرية ممن يقل دخلهم الثابت أو يكثر فيستغلون ذلك لزيادته أو توفير حاجات القرية بمبرر اقتصادي خافت أو من العوائل التي اشتهرت بصنعة معينة ومهنة راسخة في تاريخهم العائلي. فقرى الريف الجنوبي تعوض اكتفاء المدن بتكافل السكان الاجتماعي في النواحي التجارية والاقتصادية والتموينية كافة. يشير إبراهيم علي في حديثه عن اشتغال والده قديماً ببيع قوالب الثلج بعد أن اكتشف حاجة الناس إلى ذلك خصوصاً في شهر رمضان إذ يكثر الطلب ويتزايد على قطع الثلج المجمد، وعلى رغم أن والده يعمل مدرساً نظامياً إلا أن ذلك لم يمنعه من امتهان هذا العمل في ظل توافر الإمكانات المادية والمواصلات بخلاف بقية أهالي قريته الذين يعيشون حياة الكفاف والتواضع. تقع قرى وادي حلي والقوز على جانب ساحل البحر الأحمر وعلى مقربة من سلسلة جبال السروات في الجزء التهامي السهلي منها، ويعتبر الخمير «حب الدخن» من أكثر الأكلات شعبية لديهم، الذي يصبح بعادته وخلال ليالي شهر رمضان المبارك وجبة أساسية تقوم مقام الأصناف التي تكثر وتشيع هذه الأيام. وفي سبيل توفير كميات كافية من حب الدخن المطحون ل30 يوماً هي عدة شهر رمضان، تقوم ربات البيوت بالاستعداد لذلك بطحن الحب بطريقة يدوية خلال شعبان كاملاً بما يعطي فرصة كافية لتخميره وجعله جاهزاً للاستخدام، إلا أن ذلك تغيّر كثيراً هذه الأيام بعد زحف الأغذية الحديثة والمعلبة إلى السُفر الرمضانية التهامية.