إنه أمر يشبه السحر الأسود وضحاياه في كندا هم من الشبان اليافعين الذين يعانون من مشاكل نفسية أو رهاب اجتماعي أو غيرها ووجدوا في الدولة الإسلامية «داعش» عالماً إسلامياً مثالياً مقنعاً بأن ارتكاب جريمة قتل الغربي أو العربي عملاً جهادياً يمنحهم «بطاقة دخول إلى الجنة». كان هذا هو الإطار لهجومين منفصلين قام بهما شخصان أحدهما ليس له أية أصول عربية وتحول إلى الإسلام حديثاً، وقتل فيهما عسكريان كنديان في العاصمة الكندية أوتاوا وقرب مدينة مونتريال. الهجومان كان لهما وقع ضخم لأن أحدهما كان الأول من نوعه على البرلمان الكندي الذي عرف بصورته السلمية وساحته الخضراء المفتوحة للأطفال والرياضيين وكل الناس، خلال اجتماعات رئيس الوزراء والأحزاب. وكان لهما تأثير كبير، إذ إنهما هزا الضمير الكندي، بخاصة أثر مطالبة الجنود بعدم ارتدائهم الزي العسكري إلا أثناء تأديتهم الواجب لئلا تتم مهاجمتهم! الخطر اليوم يقع في شكل فردي ويصعب التنبؤ به أحياناً، خصوصاً أن الإنترنت سهّلت الانفتاح على الأفكار الجديدة والغريبة، بل والاندماج بها بسهولة. ويشير سياسيون وخبراء إلى أن الضحية الكبرى الأخرى، إضافة إلى القتلى في الهجمات والأمن الكندي، هي الجالية العربية والمسلمة التي لا زالت تعاني من تشويه صورتها وردود الفعل السلبية نحوها منذ عام 2001. وتزداد المسألة حساسية مع تزايد أعداد أفراد الجالية العربية في كندا حيث تعد اللغة العربية ثالث أسرع لغة في النمو بعد اللغتين الرئيسيتين الإنكليزية والفرنسية في مونتريال وهي ثاني أكبر المدن الكندية. ويقول عمر الغبرا وهو عضو برلمان كندي سابق من أصل سوري ومرشح عن الحزب الليبرالي المعارض، والذي انتقد حزبه مشاركة كندا بالعمليات العسكرية في العراق وسورية ضد «داعش»، إن الجالية العربية والمسلمة في وضع صعب لأنها ليست طرفاً حقيقياً في هذه المعادلة، ولكنها بالتأكيد جزء مهم من الحل. ويقول في حديث ل «الحياة»: «هؤلاء الأشخاص لم يعتنقوا الإسلام، إنما اعتنقوا فكر «داعش»، وهو فكر أهدافه شريرة يستغل ضحايا شخصياتهم ضعيفة ويعانون من أمراض اجتماعية، وهذه تماماً حال الشخصين اللذين قاما بالهجومين الأخيرين. ومن المهم هنا، التذكير بأن الجالية العربية المسلمة لها دور مهم في محاربة هذا الأمر ونحن يجب علينا أن لا نتجاهل الموضوع. نحن أصبحنا جزءاً من هذا الأمر شئنا أم أبينا وعلينا مواجهة التطرف وفضحه. وفي الوقت نفسه يجب أن نسعى للتعايش الإيجابي والتفاعل السياسي والاجتماعي مع المحيط الذي نعيش فيه». ويضيف: «للأسف بعض الناس يقول مؤامرة. نحن نقول ربما هناك مؤامرة، ولكننا لن نتخلى عن دورنا ومسؤوليتنا. هذه هي كندا وهي بلدنا وهي مستقبلنا ومستقبل أولادنا ويجب ألا نتردد بالتصريح المعلن ضد كل أشكال الإرهاب لأن التطرف هو أسوأ أسلوب للتغيير والتعبير عن النفس». ويقول الخبراء إن المخاوف الأمنية بعد هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) في أميركا الشمالية، وكندا كانت من مجموعات ذات أفكار متطرفة من المسلمين تسعى إلى عمليات كبيرة تقتل من خلالها أعداداً كبيرة وتؤذي الغرب في عقر داره، ولكن اليوم، ومع ما يسمى بالدولة الإسلامية «داعش»، فقد تمثل الخطر بطريقة غريبة من خلال فرد كندي ذي خلفية فرنسية اعتنق الإسلام وآخر كندي ذي خلفية ليبية - فرنسية وله تاريخ جرمي قاما، ومن دون أي تنسيق، بهجومين إرهابيين منفصلين وقتلا جنديين كنديين بحجة إعلاء راية الإسلام. يقول ريكس براينن وهو أستاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة ميجيل، وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط إن الهجمات التي وقعت ربما ستؤدي إلى تشديد أو تطوير الأدوات الأمنية والقانونية التي يتم استعمالها لهذه الحالات وهو أمر كانت تتم مناقشته خلال الأسابيع القليلة الماضية، بخاصة أن السلطات الكندية تقوم بمتابعة ما يزيد عن 90 شخصاً شاركوا في الحرب الدائرة في سورية والعراق وعادوا إلى كندا، أو أشخاصاً يستعدون أو ينوون الذهاب إلى هناك. وكان مارتن رولو الذي اعتنق الإسلام وقام بقتل جندي كندي جنوبمونتريال، أحد هؤلاء الذين تمت مراقبتهم وتم منعه من السفر إلى الشرق الأوسط بسبب نزعته المتطرفه. أما ميشيل زحاف بيبو الذي هاجم البرلمان فلم يكن على القائمة. ويقول براينن ل «الحياة»: «لا أعتقد أن الإجراءات الجديدة ستأتي بتغييرات ضخمة، لكنها بالتأكيد ستعمل على حماية الناس بطريقة أفضل. ليس هناك من رصاصة سحرية لحل هذه الظاهرة ولكن سيكون هناك خليط من السياسة والعمل مع الجالية وإيجاد مصادر متنوعة للقيام بذلك». وأضاف: «نحن لا نتعامل مع مجموعات جريمة، إنما مع أشخاص لديهم مشاكل نفسية وسجلات جرمية وهم أصبحوا يؤمنون بنسخة مغلوطة للإسلام والجهاد السلفي وهذه المجموعة (داعش) أصبح لديها شهرة كبيرة وأصبحت تستقطب أشخاصاً حولها في شكل يشبه عصابات العبادة، وهي تدفعهم لأعمال معظمها عنصري وطائفي... يقتلون المسيحيين والإيزديين... مثلاً التونسي الذي لم يكن يوماً على اتصال مع شيعي يذهب ليقاتل الشيعة ويقتل المسيحيين». يقول براينن أن «ضعف داعش العسكري في المستقبل سيكون له دور في إطفاء بريقه وقدرته على استقطاب ضعاف النفوس مثلما حدث مع تنظيم القاعدة عندما هرب قادته إلى الجبال»، مضيفاً أن «العمل مع أفراد الجالية ورجال الدين على المستوى البسيط وعموم الشعب سيكون شكلاً آخر مهماً للحل». وتقول ماريا موراني، وهي عضو برلمان مستقل من أصل لبناني، ولها دراسات واسعة في مجال محاربة الجريمة ودور التعليم، وعملت كثيراً خلال السنوات الماضية على حضّ البرلمان لاتخاذ إجراءات لإبعاد الشباب الكندي عن أعمال العنف التي تجرى في الشرق الأوسط، إنه يجب أن يكون هناك آليات متنوعة للحد من هذا الأمر، خصوصاً أنه يوجد أشخاص معروف أنهم جهاديون أو ذوو فكر جهادي، ولكن ليس هناك دليل أو آلية يتم بموجبها التعامل معهم. وتضيف: «يجب أن يكون هناك برامج توعية وبرامج تعليمية وتثقيفه تحارب هذا الفكر المتطرف. ويجب علينا تخصيص الموارد المالية والبشرية لهذه البرامج والعمل مع الجالية بنشاط في هذا الإطار. هذه مسألة لا يمكننا حلها فقط من خلال بنود القانون والقمع وسحب جوازات السفر أو منعها». وتضيف: «كندا في حالة حرب وتشارك في المواجهة المسلحة في الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن تصل إليها ردود فعل على ما يحصل في سورية أو العراق. نحن لا نريد هذه المشاركة العسكرية هنا أو هناك ونرى كندا أفضل في دورها بصنع السلام. لكن، وبغض النظر عما إذا كنا نوافق على مشاركة كندا أم لا، الأهم من ذلك هو أن تكون كندا مستعدة لإفشال أية هجمات على أراضيها حتى تبقى بلد سلام وبلد أمن. أنا أرى في طريقي إلى عملي داخل مبنى البرلمان كل يوم سيدات يقمن بممارسة اليوغا في حديقة البرلمان وأشخاصاً آخرين يعزفون الموسيقى أو يتنزهون. نحن نريد الحفاظ على هذا البلد وجمال وثقافته».