جلست هانيا تنظر بذهول وخوف إلى كمبيوترها الشخصي. لقد طلب أحدهم منها إضافته إلى قائمة أصدقائها في صفحة أنشأتها على «فايسبوك» تناهض التشدد الإسلامي والإرهاب، ولكن أول ما ظهر لها بعد أن فتحت صفحة طالب الصداقة، كان صورة بندقية وطلقات مبعثرة وطلقات أخرى كتب فيها رسالة تهديد بالقتل مبطنة على صفحته... وكانت الرسالة من بلد بعيد في الشرق الأوسط. هذه هي إحدى الصور والقضايا التي بدأ الإعلام الحديث يأتي على ذكرها في النقاش الدول الديموقراطية، مثل كندا حيث تصارع العاصمة أوتاوا اليوم لتقيم التوازن بين قوانينها وتقاليدها التي تحفظ الحرية الشخصية من جهة، وبين مساعيها الحثيثة لحماية مجتمعاتها من الآثار السلبية للإعلام الحديث المفتوح، بما فيها سن قوانين جديدة مثل المادة سي 13، والتي تسمح للسلطات بجمع المعلومات عن الأفراد المشتبه بهم. هذه القوانين تتعرض اليوم لانتقاد شديد في البرلمان لأنها تتعارض مع قرارات للمحكمة العليا في شأن حفظ الخصوصيات الفردية. وصعدت الهجمات الإرهابية خلال الشهر الماضي على البرلمان الكندي هذا النقاش وضرورة إيجاد الحلول القانونية والاجتماعية. وكان مارتن رولو كوتور، الفرنسي الكندي الذي تحول إلى الإسلام قبل حوالى سنتين، أحد المتابعين المتحمسين لما يسمي بالدولة الإسلامية «داعش» والدعاية المتشددة التابعة لها على يوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي بما فيها تويتر. والأفكار المتشددة التي طورها ومحاولته لاحقاً السفر إلى سورية جعلت منه واحد من حوالى 90 شخصاً على قائمة تتابعها السلطات الكندية عن كثب على أساس أنه يمكنهم أن يقوموا بهجمات إرهابية. وحصل ما تخوفت منه السلطات وقام الشاب بقتل جندي كندي أواخر تشرين الأول (أكتوبر) بينما قام كندي آخر، وهو ميشال زحاف بيبو وهو أيضاً متأثر بأفكار متشددة نقلت إليه عبر وسائل الإعلام الحديث بقتل جندي آخر ومهاجمة البرلمان الكندي في هجوم هو الأول من نوعه في تاريخ هذا البلد. ويقول خبراء وباحثون في القانون والإرهاب إن الإعلام الحديث سهّل انتقال الأفكار الديموقراطية، وكذلك الأفكار المتشددة عبر الحدود. وهو اليوم أصبح سلاحاً ذا حدين، إذ لا يمكن الدول الديموقراطية أن تعود عن تقاليدها العريقة، ولكن عليها إيجاد التوازن بين حفظ حرية التعبير والبدائل السياسية والاجتماعية والقانونية التي تساعد على الحفاظ على سلامة المجتمع. ويقول جون إيبتسون وهو عضو في المركز الدولي للحكم والتطوير الكندي في ل «الحياة»: «الإعلام الحديث كان أهم سبب في نشر التوعية بضرورة التخلص من الديكتاتوريات القديمة وحرك الجموع الكبيرة مثلما حصل في ساحة التحرير في القاهرة، ولكنه أيضا كان الوسيلة التي استعملتها مجموعات متطرفة لتسهيل عمليات القتل اليوم. ليس من المنطقي حجب مواقع إنترنت تدعو إلى التشدد لأن ذلك ضد حرية التعبير، وكذلك حلول مثل التوقيف الاحتياطي هي إجراءات تجنبتها الديموقراطيات حول العالم خلال العقود الطويلة الماضية». تشق المادة سي 13 طريقها بنجاح عبر البرلمان وتركز السلطات الكندية بما فيها الشرطة الكندية الفيديرالية وكذلك وكالة الاستخبارات والأمن الكندية على أن هذه المادة القانونية ضرورية لتحسين أدائها في محاربة الإرهاب. ومن بنود هذ المادة منح الحصانة لشركات المعلوماتية التي تتبرع بإعطاء معلومات عن مشتركيها إلى السلطات الكندية، وكذلك منح السلطات الكندية القدرة على مراقبة المعلومات عن الأفراد على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والحسابات البنكية من دون مذكرة من قاضٍ. ويقول خبراء وأكاديميين في مجال محاربة الإرهاب إن القوانين الكندية الموجودة حالياً تسمح بجمع المعومات، وليس هناك نقص في المعلومات حالياً ولكن المختلف عليه هو بعض التفاصيل التي تسهل هذه العملية وتزيد من فعاليتها وسرعتها وتسد بعض الثغرات الموجودة. ويذكر هنا أن شركات المعلوماتية والاتصالات الكندية تلقت حوالى 1.2 مليون طلب لمعلومات عن أشخاص عام 2011 من دون مراجعة قضائية. ويقول خبراء آخرون مثل ويسلي وارك، وهو أستاذ في جامعة أوتاوا وباحث في شؤون الإرهاب والأمن القومي والاستخبارات الكندية، إن القانون يهدف إلى وضع تعريف جديد حول نقل المعلومات ومناقشة الأطر التي تمكن من تطبيق المادة سي 13 «قانون لمحاربة البلطجة» وكذلك تطبيقات جديدة يتم التوصل إليها بعد وضع هذه التعديلات. ويقول وارك في حديث ل «الحياة»: «أعتقد أن هناك اليوم نقاشاً في كندا وبلدان أخرى حول ما نستطيع أن نفعل لمنع الرسائل المتشددة لداعش وهناك رأيان في هذا الخصوص. الأول يقول يجب علينا أن نوجه رسائل تحارب التشدد وهذا ليس بالضرورة مهمة الحكومة وإنما المجتمع في شكل عام والسلطات الدينية وغيرها. أما الرأي الثاني فيقول إنه من الضروري أن نزيل الدعاية المتشددة من الإنترنت سواء كانت تعليم صنع القنابل أو أخرى تتباهى وهي تقطع الرؤوس». ويشير وارك إلى أن تجاوب الكنديين لم يكن ضخماً بدليل أن العدد هو 90 شخصاً فقط من المتعاطفين، والذين استدرجهم «داعش» على أساس أن الأمة الإسلامية مستضعفة، وأن الرد هو الإرهاب. ويضيف: «من السهل أن تستعمل باب الإعلام الواسع، ولكن ليس من السهل تنظيم الناس. ونحن رأينا مع القاعدة كيف أن رسالته مع الوقت لم تربح العقول والقلوب وفشل. وكذلك سيكون داعش. إنها مسألة وقت». وتقول كاثرين سوليوم وهي صحافية عملت على موضوع الإرهاب: «إن نجاح فئة إرهابية مثل داعش جاء بسبب قدرته على استغلال الإعلام الغربي المفتوح لتسويق أفكاره المتشددة بينما يعمل هو على إغلاق السبل في وجه الإعلام». وتضيف: «اليوم لدينا ما يشبه الفتحة السوداء في الأرض. جزء لا نعرف عنه أي شي سوى ما يريد هو أن يسوقه عن نفسه. كل يوم نرى داعش يقول بقطع رؤوس الصحافيين ويستهدفهم ويزرع الرعب في نفوس الأشخاص في منطقته وفي العالم على أساس قدرته على التخريب والقتل ورأينا هنا أن من يتبع هذه الرسالة المتشددة أشخاص يصعب عليهم الاندماج في المجتمع أو أشخاص ذوو مشاكل نفسية. وأعتقد أن حل هذه المشكلة يأتي من طريق العمل المشترك مع الجاليات». وفكرة التعاون بين الجاليات والسلطات في كندا في إطار مساعدة الشباب للاندماج بالمجتمع ليست بجديدة، ولكن سرعة تحركها أصبحت أكبر إثر الهجمات في أواخر الشهر الماضي. ويشير حسين حمداني وهو محامٍ وناشط وعضو مع مجموعة «نصر» الصحوة الروحية في أميركا الشمالية في مقاطعة أونتاريو الكندية إلى أن الحاجة إلى التوعية بأن الإسلام دين تسامح هي اليوم ضرورية أكثر من أي وقت مضى، وبناء عليه تساعد مجموعته الشباب المسلم وغير المسلم على الاندماج في المجتمع الكندي والقيام بأعمال التطوع بمختلف المؤسسات الكندية بغض النظر عن خلفيتها الثقافية أو الدينية أو العرقية. ويقول ل «الحياة»: «الإعلام يمكن أن يسوق الكثير من الأفكار الخاطئة، ولكن مهمتنا هي أن نعلم أبناءنا الفرق بين الخطأ وأذية الناس وبين ما هو عادل. وأن نعلمهم أن لا تغريهم الرسائل المتشددة ونقدم لهم البدائل السياسية والاجتماعية». ويضيف حمداني أن هذا أمر يمكن القيام به مشيراً إلى أن المتشددين في كندا أربعة أنواع. أولها لا يمكن إصلاحه وهو عازم على التخريب، والثاني شاب مغرر به يمكن إصلاحه، والثالث مجموعات ترى الدين الإسلامي وسيلة للاعتراض مثل الأشخاص الذين دخلوا الإسلام حديثاً ولديهم غضب مرفق بعدم معرفة بالإسلام، والنوع الأخير هو المتشدد المريض نفسياً مثل ما حدث في حادثي الشهر الماضي. ويبلغ عدد أعضاء «نصر» الآلاف، وقد قامت مئات عدة من الشبان المسلمين والمسيحيين منهم بتأسيس شبكة «إنهاء الكراهية» على الإنترنت. وعمل هؤلاء الشباب على تدريب المئات من الشبان على أعمال التطوع مع الشرطة الكندية والإطفاء والأمن العام والشركات الكندية العامة والخاصة. والرد الأول لهم على أحداث الشهر الماضي، كان استضافة دورة إعلامية عن وسائل الإعلام الاجتماعي والتعامل معها ومع أفكارها نظمتها الشرطة الفيديرالية الكندية هذا الشهر.