جمع الله للرسول صلى الله عليه وسلم كمال الأخلاق ومحاسن الشيم وآتاه من العلم والفضل وما فيه النجاة والفوز والسعادة في الدنيا والآخرة ما لم يؤت أحداً من العالمين، وهو أُمٌّي لا يقرأ ولا يكتب، ولا معلم له من البشر، واختاره الله على جميع الأولين والآخرين، وجعل دينه للجن والناس أجمعين إلى يوم الدين، فصلوات الله وسلامه عليه صلاة وسلاماً دائمين إلى يوم الدين؛ فإن خلقه كان القرآن. فينبغي الاقتداء به صلى الله عليه وسلم والتأسي به في جميع أعماله، وأقواله، وجده واجتهاده، وجهاده، وزهده، وورعه، وصدقه وإخلاصه، إلا في ما كان خاصاً به، أو ما لا يُقدر على فعله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يَملُّ حتى تملُّوا»، ولقوله: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم». كان صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة وإماماً يُقتدى به لقوله تعالى: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة»؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تفطَّرت قدماه وانتفخت وورمت، فقيل له: أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً». وكان يصلي من الليل 11 ركعة، وربما صلى 13 ركعة وكان يصلي الرواتب 12 ركعة وربما صلاها 10 ركعات وكان يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله وكان يطيل صلاة الليل فربما صلى بما يقرب من خمسة أجزاء في الركعة الواحدة فكان ورده من الصلاة كل يوم وليلة أكثر من 40 ركعة منها الفرائض 17 ركعة. وكان يصوم غير رمضان ثلاثة أيام من كل شهر ويتحرَّى صيام الإثنين والخميس وكان يصوم شعبان إلا قليلاً، بل كان يصومه كله ورغَّب في صيام ست من شوال وكان صلى الله عليه وسلم يصوم حتى يُقال: لا يفطر، ويفطر حتى يُقال: لا يصوم وما استكمل شهراً غير رمضان إلا ما كان منه في شعبان، وكان يصوم يوم عاشوراء وروي عنه صوم تسع ذي الحجة وكان يواصل الصيام اليومين والثلاثة وينهى عن الوصال، وبيَّن أنه ليس كأمته؛ فإنه يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه وهذا على الصحيح: ما يجد من لذة العبادة والأنس والراحة وقرة العين بمناجاة الله تعالى ولهذا قال: «يا بلال أرحنا بالصلاة»، وقال: «وجُعِلَتْ قرة عيني في الصلاة». وكان يكثر الصدقة، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة حينما يلقاه جبريل عليه الصلاة والسلام؛ فكان يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة؛ ولهذا أعطى رجلاً غنماً بين جبلين فرجع الرجل إلى قومه وقال: «يا قومي أسلموا فإن محمداً يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة فكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأكرم الناس، وأشجع الناس وأرحم الناس وأعظمهم تواضعاً، وعدلاً، وصبراً، ورفقاً، وأناة، وعفواً، وحلماً، وحياء، وثباتاً على الحق. وجاهد صلى الله عليه وسلم في جميع ميادين الجهاد: جهاد النفس وله أربع مراتب: جهادها على تعلم أمور الدين، والعمل به، والدعوة إليه على بصيرة، والصبر على مشاق الدعوة، وجهاد الشيطان وله مرتبتان: جهاده على دفع ما يلقي من الشبهات، ودفع ما يلقي من الشهوات، وجهاد الكفار وله أربع مراتب: بالقلب، واللسان، والمال، واليد. وجهاد أصحاب الظلم وله ثلاث مراتب: باليد، ثم باللسان، ثم بالقلب. فهذه 13 مرتبة من الجهاد، وأكمل الناس فيها محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كمَّل مراتب الجهاد كلها، فكانت ساعاته موقوفة على الجهاد: بقلبه، ولسانه، ويده، وماله.