بعد ثلاث سنوات على الانتفاضة الشعبية في اليمن والتي أدت إلى تنحية الرئيس السابق علي عبدالله صالح، يعيش اليمنيون اليوم في كنف اللادولة. في مقهى شعبي تجمّع عدد من الشبان الذين شاركوا في الانتفاضة عام 2011، وبدوا متفقين على أن تكيّف اليمنيين مع الأوضاع المتردية ساهم في تراجع حضور الدولة. ويسود اعتقاد بأن اليمن مرشح لحرب أهلية على غرار ما حصل العراق، إذ سيطرت جماعات إسلامية متشددة وطائفية على مناطق شاسعة في الشمال والجنوب اليمني، وكثفت هجماتها على قوات الجيش مستخدمة مبررات طائفية. ولا يستبعد كثيرون أن تستمر الحرب لسنوات، إذا اندلعت. ويعوّل كثيرون من اليمنيين على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي كمنقذ أخير، بينما يتهمه آخرون بأنه السبب في تهاوي الدولة، في وقت تساهم المواجهات مع جماعة "الحوثيين" التي سيطرت على العاصمة صنعاء، من جهة، وقوات الجيش وعناصر تنظيم "القاعدة" من جهة أخرى، فضلاً عن تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية، في تكريس منطق اللادولة في البلاد. وعلى رغم أن اليمن شرع في عملية انتقال سياسي، ونظّم مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد طيلة تسعة أشهر، إلا ان مخرجاته لا تزال حبراً على ورق. وقالت سماح ردمان، وهي واحدة من حوالي 600 عضو من المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني، إن اليمن يمر بظروف صعبة تتمثل في غياب الدولة، وتراجعها أمام صعود القوى التقليدية التي وجدت مناخات مناسبة لها. واتهمت الأحزاب المدنية، وبخاصة اليسار بخيانة الشعب اليمني، حين اتجه إلى تغليب مصالحه على المصلحة العامة والمشاركة في الحكومة والانجرار لتحركات هادي التي كانت في كل حالاتها غير موفقة وغير مجدية، بينما ساهمت في تعميم نظرية التوافق والتحاصص التي سعّرت من أطماع القوى التقليدية التي فرضت نفسها لاحقاً بقوة السلاح. وذكرت ردمان أن اليمن مرشح للحروب، لكنها لم تستبعد حصول تسوية سياسية تضمن لجميع الأطراف السياسية والاجتماعية مشاركة وحضوراً فاعلاً على جميع المستويات. كما توقعت أن "ترسي الدولة معالمها بعد خمس سنوات من الآن ". واستبعدت تزامن تطبيق الأمن مع الحرية في وقت قياسي، مضيفة: «نريد دولة المستبد العادل». واعتبر الموظف في رئاسة الحكومة اليمنية إياد أمير أن أسباب غياب الدولة هي قوة الثورة المضادة من النظام السابق وقوى الإسلام السياسي المتهمة بالردة الرجعية، وجرّ اليمن إلى الصراع الأهلي والطائفي. ورجّح أمير حصول نزاع مسلح على أساس طائفي، مستنداً إلى الهجوم الأخير الذي شنه عناصر تنظيم "القاعدة" على جنود متجهين إلى صنعاء بحضرموت، منتصف آب (أغسطس) الماضي، وذبح أربعة عشر جندياً بتهمة أنهم روافض وشيعة. وقال: "هذا المنطق سيفجّر حرباً طائفية في البلاد لن تخمد إلا بعد عشر سنوات على الأقل". في هذا السياق، تكشف دراسات إن نصف اليمنيين يشعرون بأن إقرار الدستور الجديد كفيل بإعادة تواجد الدولة بمؤسساتها، بينما يرشح النصف الآخر تغيير شكل الدولة اليمنية من البسيط إلى الاتحادي. وذكر تقرير أولي نفذته «مؤسسة تمكين للتنمية»، بالشراكة مع «مبادرة الشراكة الشرق أوسطية الأميركية» أن المجتمع اليمني يتملكه القلق من الصعوبات والتحديات التي تواجه عملية الانتقال التي تسحب عجلة التحول الى الوراء، وتقوض مسألة تمكين الدولة. ويجمع اليمنيون على أن الاضطرابات وبطء عملية الانتقال السياسي هما نتاج غياب الدولة. وقال الكاتب والمحلل السياسي فتحي أبوالنصر إن "عدم تضمين المبادرة الخليجية محددات بناء الدولة قوض وجودها، ما شجع قوى وأطراف سياسية ومجتمعية على أن تكتسب نقاط قوة على حسابها". وأضاف أن السلطة الانتقالية بقيادة الرئيس اليمني، وأحزاب اللقاء المشترك، فشلت بشكل كبير في الحفاظ على مقومات وجود الدولة، حين تحركت في مربع المبادرة الخليجية التي ركزت نشاطها على عملية الانتقال السياسي، وغفلت عن معالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي. وذكر أن تعطيل الدستور وبطء عملية صياغة دستور جديد جعل من وضع الدولة معلقاً. وتابع أن الاستفتاء على الدستور، وتنظيم الانتخابات النيابية والرئاسية خلال العام المقبل، سيعيد من أبجديات الدولة، مع ترك جميع السيناريوهات مفتوحة نظراً لغموض الوضع السياسي.