لم يكن اليمنيون في أي وقت من الأوقات بحاجة ماسة -كحاجتهم اليوم- إلى وجود دولة قوية وفاعلة، تبسط نفوذها في كل ربوع اليمن، وتقوم بواجباتها الوطنية والدستورية، ويشعر المواطن في ظلها بالأمن والأمان، وتنهي حالة اللادولة المتسمة بالفوضى والانفلات والفساد الذي شمل كل مناحي الحياة، وأوصل الحروب إلى جوار العاصمة صنعاء التي أصبحت تهدد ما تبقى من أمل في استقرار هذا البلد المتطلع إلى أن يعيش أبناؤه في ظل دولة لا تتجاذبها الأهواء والأطماع والمصالح الشخصية الأنانية والحزبية الضيقة. لقد مرّت خمسة أشهر منذ انتهاء مؤتمر الحوار الوطني الذي مثّل المرحلة الثانية لعملية التسوية السياسية وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وحظي بتأييد إقليمي وعربي ودولي كبير، وتمخض عن الحوار وثيقة وطنية هامة شخصت كل مشاكل اليمن ووضعت الرؤى والآليات الكفيلة بحلها، وفي مقدمتها بناء الدولة المدنية الحديثة، التي ستتحمل مسؤولية إخراج اليمن من النفق المظلم الذي وصلت إليه بسبب الأزمة وتداعياتها، ومع ذلك وبرغم مرور تلك الفترة، لازالت المخرجات حبيسة الأدراج، ولم تحظَ بأي جدية أو حماس لتنفيذها، وحشد الطاقات الوطنية لتحويلها إلى ورش عمل في الميدان يشارك فيها الجميع، أو على الأقل تنظيم حملة توعية وطنية يبادر المشاركون في الحوار أنفسهم للقيام بها في أوساط الجماهير، بنفس الحماس الذي أظهروه أثناء تهافتهم للحصول على عضوية المؤتمر، أو كما حرصوا على الظهور خلال جلساته واستعراض ملكاتهم البلاغية وقدراتهم في تسجيل المواقف الإيجابية والسلبية التي يريدون جني ثمارها مستقبلاً، وبلغ الشطط بالبعض أن يدعو صراحة إلى تمزيق وتجزئة الوطن خدمة لمصالح ذاتية أنانية أو لحسابات إقليمية طفيلية أو خدمة لأطماع دولية استعمارية، متناسين بأن وحدة الوطن خط أحمر بالنسبة لليمنيين أصحاب المصلحة الحقيقية في الوحدة، وكذلك هي لدى الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، وفي الوطن العربي، وفي المقدمة المملكة العربية السعودية، وكذلك لدى الأصدقاء في العالم، الذين أكدوا تأييدهم ودعمهم لوحدة اليمن وأمنها واستقرارها، وعزز ذلك بقوة مجلس الأمن الدولي في كل قراراته وبياناته الصادرة بشأن الأزمة، المؤكدة على تمسّك المجتمع الدولي بوحدة اليمن وسلامة أراضيه. ما يجب أن تدركه الأحزاب بأن مسألة تنفيذ مخرجات الحوار أصبحت هي المسؤولة عنها، لأنها هي من أوصل البلاد إلى هذا المآل، وأنها ستكون وحدها المسؤولة عن أي فشل في تنفيذ المخرجات، ولن تستطيع تبرئة نفسها من أنها تعمدت هذا الفشل أمام التاريخ وأمام اليمنيين الذين أصابهم القلق الشديد خوفاً من فشل مؤتمر الحوار الوطني، بسبب بعض المواقف المتشنجة التي كادت أن تعصف به، لولا عناية الله، والإدارة الحكيمة والمقتدرة للرئيس عبدربه منصور هادي ومهارته التي ساهمت في تجاوز كافة الصعوبات، وكل ما كان يهدد بالفشل، والوصول بالحوار إلى بر الأمان بالتوافق والاتفاق على تلك النتائج التي أمكن الوصول إليها بما يحافظ على وحدة الوطن، وإصلاح مسارها، ويؤسس لقيام الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة، دولة النظام والقانون والحكم الرشيد، والعدل والمساواة، يحكمها دستور يتفق عليه الجميع، يترجم تطلعات اليمنيين ويجسّد طموحاتهم في الوحدة والحرية والتقدّم والازدهار، والأمن والاستقرار، واستئناف عملية التنمية واستكمال مشاريع البنية التحتية والخدمات الأساسية، وتهيئة المناخات الملائمة لجذب وتشجيع الاستثمارات الوطنية، وتنشيط حركة السياحة الداخلية والخارجية التي تعتبر من أهم مصادر الدخل القومي، والتركيز على توفير فرص عمل للشباب العاطل عن العمل، وبما يُسهم في الحدّ من الفقر والقضاء على البطالة، ويجفف جزءاً من منابع التطرُّف والإرهاب. فهل تستوعب الأحزاب هذه المسؤولية التاريخية وتكون في مستوى التحدّيات التي يواجهها اليمن..؟!!