بعروض فنية تبدأ من الموسيقى التقليدية ولا تنتهي بعروض مسرح الفرجة في الهواء الطلق، مروراً بعروض في دار الأوبرا الجديدة، عاشت العاصمة الكازاخية الجديدة عيدها الخامس عشر، أوائل الأسبوع الجاري مستعيدة تأسيسها في العام 1998 الذي أراده قادة البلاد «صورة كازاخستان المستقبلية» و»إشارة للاستقلال» في العام 1991 عن الإرث السوفياتي الثقيل. المفاجآت تأتي تباعاً. فبعد العمران الحديث كلياً، والتوزيع المرسوم بدقة للمعالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشكلها الأبنية العالية بزجاجها الأزرق الفاتح المتصل بلون السماء الصافية، تدهشك الأناقة المعاصرة والكلاسيكية الظاهرة على نساء المدينة الجميلات، الحاضرات بثقة في كل ميادين الحياة. ففي شارع واحد للمشاة مطلّ على النهر، تمشي مجموعة من النساء في أزياء معاصرة لا تخفي جرأتها، مثلما تنهمك عاملات في العناية بحقل من الورد على جانب الشارع، بينما تبيع النسوة المرطبات في يوم بدا حاراً، وهنّ الأكثر نشاطاً في أزيائهن التقليدية في العديد من المطاعم. في «يوم الآستانة» لا إيقاع أعلى من إيقاع الموسيقى الراقصة، في جو احتفالي ومزاج شعبي رائق، وجاء يوم عطلة لا ينسى للمقيمين والضيوف على حد سواء. ومن فقرات كلاسيكية تعرف بالموروث الغني لبلاد أبي نصر الفارابي، الى عروض أحياها موسيقيون من أوركسترا الدولة، فضلاً عن عرض باليه «أوراسيا»، الى جانب نجوم البوب الكازاخستانيين: اليشر كريموف، الماس كيشينباييف، رستم زغونوسوف المعروف في أوروبا وغيرهم الكثير في عروض غنائية حية امتزجت فيها الأنغام بدهشة الأضواء الليزرية والتشكيلات الفيديوية المصنوعة بدقة عالية التي عُرضت على شاشات كبيرة. الجميع في عاصمة كازاخستان، من برلمانيين ومثقفين وديبلوماسيين ورجال أعمال (بعضهم عرب)، يتفق على أن هناك كثيراً من الإنجاز الذي يستحق الإعجاب. ويستغرب الناس وتصيبهم الدهشة عندما تسألهم: هل يعقل أن كل هذا بُني في 15 سنة؟ وحين تتحدث مع أهل المدينة ومسؤوليها، يرد الجميع بابتسامة الرضا: «هذا هو يوم مدينتنا الشابة الجميلة التي يليق بها الجميل من النغم وكثير من الفرح». وهو ما يمكن تلمسه لا في أجواء العروض الفنية وحسب، بل في مواكب الزوارق والجولات النهرية، وفي فضاءات المطاعم المفتوحة على الظلال في يوم مشمس جميل، وصولاً الى أمسيات راقصة في مطاعم ومقاه لا يتخلى بعضها عن ارث العمارة التقليدية وعناصر الزخرفة والأرابيسك في الجدران المعلق عليها كثير من السجاد النادر الأقرب إلى تحف فنية راقية. في الآستانة، بُني النظام السياسي والاقتصادي تدريجياً، وخرجت البلاد من العاصمة القديمة «ألما أتا» المختنقة بجبالها وقسوة تضاريسها. وكان البناء هنا في مكان جديد، إشارة عميقة إلى مسار جديد يتم الدخول فيه بخطوات محسوبة، بدأت من التخلص من أعباء الإرث السوفياتي اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، ولم تنته بالتحول إلى مدينة منفتحة على الاستثمار والتجديد الفكري والإنساني.