الأحداث التي أدت إلى قيام الجيش المصري بإزاحة الرئيس محمد مرسي وضعت المؤسسة العسكرية أمام خيار بسيط: التدخل أو الفوضى. إن وجود 17 مليون نسمة في الشوارع ليس مثل الانتخابات، بل هو تجسيد مخيف لسلطة الشعب، ولو حدث ما يعادل ذلك في بريطانيا فإن نحو 13 مليوناً سيخرجون إلى الشوارع. تدبروا هذا الأمر هنيهة. صحيح أن الجيش لن يتدخل هنا )في بريطانيا(، لكن الحكومة لن تبقى أيضاً. لقد عجزت جماعة الإخوان المسلمين عن التحول من حركة معارضة إلى حكومة، وبالطبع فإن الحكومات تُحكمُ إما بطريقة سيئة أو جيدة أو بمعدلٍ متوسط، ولكن هذا الأمر مختلف؛ إذ إن الاقتصاد ينمو ببطء. كما أن الحفاظ العادي على الأمن والقانون تلاشى تقريباً، ولا تكاد توجد خدمات، وقد بذل عدد من الوزراء ما وسعهم من جهد، وكنت التقيت قبل بضعة أسابيع وزير السياحة الذي كنت أعتقد أنه وزير ممتاز لديه خطة معقولة لإنعاش قطاع السياحة المصري. بعد بضعة أيام استقال من منصبه بعدما اتخذ الرئيس خطوة مثيرة للدهشة بتعيينه محافظاً للأقصر، وهي وجهة سياحية رئيسية. كان منتمياً إلى الجماعة المسؤولة عن شنّ أسوأ هجوم إرهابي في الأقصر نفسها، حيث أسفر عن مقتل أكثر من 60 سائحاً في عام 1997. ويواجه الجيش الآن المهمة الحساسة والمضنية التي تتمثل في قيادة البلاد للعودة بها إلى طريق الانتخابات، والعودة السريعة إلى الحكم الديموقراطي، ويجب أن يكون أملنا أن يتمكن الجيش من القيام بذلك من دون مزيد من إراقة الدماء، بيد أنه ومهما يكن الأمر، فإن جهة ما يتعين أن تدير البلاد وتحكمها، ويعني ذلك اتخاذ قرارات صارمة، قد تكون أحياناً غير شعبية. المسألة لن تكون سهلة. إن ما يحدث في مصر يعد أحدث نموذج أمام أعين العالم كله للتفاعل بين الديموقراطية والاحتجاج وفاعلية الحكومة. الديموقراطية هي أسلوب لاختيار من يتخذون القرار، لكنها ليست بديلاً عن اتخاذ القرار. وأذكر حواراً قصيراً دار بيني وعدد من الشبان المصريين بعد سقوط نظام الرئيس حسني مبارك، أوضحوا فيه أنهم يعتقدون بأن المشكلات ستحل مع انتهاج الديموقراطية، وحين سألتهم عن السياسة الاقتصادية السليمة التي يتعين على مصر أن تنتهجها، قالوا ببساطة إن الأمور ستكون طيبة بعدما أضحت لديهم ديموقراطية. وبحكم معرفتهم الضئيلة بالاقتصاد فإنهم لم يروا بأساً في بقاء كل شيء قديم ليست لديه فرصة تُذكر في العمل. إنني مؤيد قوي للديموقراطية، غير أن الحكم الديموقراطي لا يعني بحد ذاته حكومة فاعلة. والفاعلية هي التحدي اليوم. حين تخفق الحكومات في تحقيق التطلعات يقوم الشعب بالاحتجاج. إنهم لا يريدون الانتظار ريثما تُجرى انتخابات. والواقع - كما هي الحال في تركيا والبرازيل - أنهم يمكن أن يحتجوا حتى حين تكون البلاد - من أي منظور موضوعي - حققت تقدماً كبيراً، ولكن حين تنتقل البلدان من وضع الطبقة المتدنية إلى الوسطى تزداد توقعات الشعب، فهم يريدون خدمات عالية الجودة، وإسكاناً أفضل، وبنية أساسية جيدة، وخصوصاً النقل. وسيرفضون ويقاتلون بسبب أي إحساس لديهم بأن زُمرة في القمة تعوق طريقهم. هذا نوع من الروح الديموقراطية التي تعمل خارج حدود العرف الديموقراطي القائل بأن الانتخابات هي التي تحدد الحكومة. تذكيها بدرجة كبيرة وسائط التواصل الاجتماعي، وهي بحد ذاتها ظاهرة ثورية، وتتحرك سريعاً جداً خلال الأزمات الطارئة، وليست ثابتة أو معقولة. التظاهر ليس سياسة أو إعلاناً لبرنامج حكومي، ولكن حين تفتقر الحكومات إلى حجج واضحة لدحض تلك الاحتجاجات فإنها تواجه مشكلة. في مصر تفاقمت مشكلات الحكومة جراء الاستياء من آيديولوجية وعدم تسامح الإخوان المسلمين، وشعر الشعب بأن الجماعة بدأت تفرض بشكل منتظم نظرياتها على أوجه الحياة اليومية المختلفة، وللمرة الأولى في مختلف أرجاء الشرق الأوسط، وهو تطور إيجابي، هناك نقاش مفتوح حول دور الدين في السياسة، وعلى رغم التنظيم المُحْكَم للإخوان المسلمين، فإن الغالبية على الأرجح هي للنهج العلماني العنيد تجاه مسألة الحكم في المنطقة. قد يكون المجتمع مشبّعاً باتباع تعاليم الدين، غير أن الشعب بدأ يتبيّن له أن الديموقراطية لا تعمل إلا حين تكون فكرة تعددية، إذ يتم احترام المعتقدات المختلفة، وحيث يكون للدين صوت وليس حق النقض. بالنسبة إلى مصر، فهي أمة ذات حضارة عريقة ومتباينة، وفيها نحو 8 ملايين مسيحي، وعدد كبير من الشباب الذين هم بحاجة إلى التواصل مع العالم، ليس - في الحقيقة - ثمة مستقبل في أن تصبح دولة إسلامية تطمح إلى أن تكون جزءاً من خلافة إقليمية. إذاً، ماذا يتعين على الغرب القيام به؟ تمثل مصر أحدث تذكير بأن المنطقة مضطربة، ولن تتركنا في حالنا مهما كنا نتمنى ذلك. وأي قرار بعدم اتخاذ إجراء ستكون له عواقب وخيمة. وفي أسوأ الحالات لن يسعنا أن نسمح لمصر بالانهيار، لذلك علينا التواصل مع سلطة الأمر الواقع الجديدة، ومساعدة الحكومة الجديدة على إحداث التغييرات الضرورية، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، ليكون بمستطاعها أن تحقق رغبات الشعب. بتلك الطريقة يمكننا أيضاً أن نساعد في صياغة الممر الذي يعيد البلاد إلى صندوق انتخاب يصممه المصريون بأنفسهم ومن أجل أنفسهم. أما بالنسبة إلى سورية، فحين نتأمل أسوأ ما يمكن أن يحدث، يتبين لنا أنه غير مقبول، فقد ينتهي بنا الأمر إلى تقسيم فعلي للبلاد، تكون فيه دولة سنية فقيرة في الشرق، معزولة عن البحر وعن ثروة البلاد، يديرها متطرفون، وسيسود لبنان عدم الاستقرار التام، وسيتعرض العراق لمزيد من الزعزعة، ويكون الأردن عرضة لقدر أكبر من الضغوط (وما كان له أن يتماسك لولا شجاعة وقيادة الملك نيابة عنا جميعاً). وما سيبقى للأسد ليحكمه سيكون معتمداً على حزب الله - وهو منظمة إرهابية - وعلى إيران. بالنسبة إلى إيران، قد يرغب الرئيس الجديد في التوصل إلى اتفاق مع العالم في شأن البرنامج النووي لبلاده، وقد لا يكون الأمر كذلك. ومهما يكن فإن السلطة لا تزال بيد آية الله. لا يسعنا أن نرى إيران وهي تملك سلاحاً نووياً، ولم نتعرض للتحديات الماثلة في ليبيا واليمن، وأبعد من ذلك في باكستان، ولا لوباء التطرف الذي يجتاح الطرف الشمالي من الساحل الأفريقي، أو بعض بقاع آسيا الوسطى. النقطة التي يتعين توضيحها أن مصالحنا تتطلب أن نكون في حال ارتباط وتواصل. علينا أن نتخذ قرارات بعيدة المدى لأنه لا توجد حلول على المدى القصير، ولعل ما يقوم به جون كيري حالياً بذلك القدر من التفاني والاندفاع في شأن المسألة الإسرائيلية - الفلسطينية خير نموذج يجسد ذلك، وإذا كان الأمر يستحق فلنتخذ إجراءً حياله مهما كان شاقاً. إننا نشهد انتقالاً طويلاً في الشرق الأوسط، وهو صعب ويستغرق وقتاً ومكلّف. إننا نشعر بأنها مهمة جهة ما أن تساعد في معالجة الأوضاع، بيد أنها مهمتنا، إذ إن هذا الكفاح يعني كثيراً بالنسبة إلينا، والخبر السار هو أن ملايين الأشخاص المنفتحين المُحدَثين يوجدون هناك. إنهم بحاجة إلى معرفة أننا نقف بجانبهم، وأننا حلفاؤهم، وأننا مستعدون لدفع ثمن أن نكون معهم هناك. رئيس وزراء بريطانيا السابق.