يرتكب معظم مطوّري التطبيقات خطأ شائعاً عبر اعتقادهم بأن نجاحهم في نطاق جغرافي ما، يعني نجاح استراتيجيتهم في الأمكنة كلها عالميّاً. الحال أن واقع الأمور شيء مختلف تماماً. إذ تلقى بعض التطبيقات رواجاً في أوروبا واليابان الولاياتالمتحدة، لكنها تلاقي الفشل في بلدان كالهند وأميركا الجنوبيّة والشرق الأوسط. وتتعدى تلك المشاكل مجرد كونها قضايا متعلّقة بالترجمة والافتقار إلى فهم الثقافة العامة للبلدان المختلفة. ودار نقاش ضمن أروقة شركة «تروكولَر» TrueCaller العالميّة، عن مسألة هوس المستثمرين الشديد بالعالم الغربي، وعدم اهتمامهم بأسواق تشهد نمواً كبيراً، هي التي غالباً ما يشار إليها باسم «أسواق أصحاب البلايين في المستقبل» Next Billionaires Markets. إذ سجّلت بيانات «تروكولّر» صعوداً قويّاً لأسواق الدول النامية، فيما يميل أصحاب رؤوس الأموال إلى الاستثمار في الدول المتطوّرة. وحسمت الشركة أمرها بأن سارت مع الاتّجاه الذي عبّرت عنه بياناتها، وهو أمر أثبت صحّته، إذ ضمن لها نمواً سريعاً. وفي سياق ظاهرة صعود أسواق الدول النامية، من المستطاع استخلاص مجموعة من التوجّهات التي تبدو مفيدة، خصوصاً لصنّاع التطبيقات Applications الرقميّة. التفكير خارج إطار «هواتف فيراري» يميل مطوّرو التطبيقات غالباً إلى التركيز على الهواتف والأجهزة اللوحية الرائدة، ك»آي فون 5 إس» و»غالاكسي إس 5» وغيرهما. وعادة ما يكون صُنّاع التطبيقات من مستخدمي تلك الأجهزة أيضاً، لكن يفوتهم ملاحظة أنها لا تمثل الشرائح الواسعة من الجمهور. إذ تلقى هواتف ذكيّة أقل تقدّماً وأرخص ثمناً، رواجاً كبيراً في الأسواق سريعة النمو، خصوصاً بالمقارنة مع أسواق أوروبا والولاياتالمتحدة. فعلى سبيل المثال، لا يتجاوز استخدام الهواتف الذكيّة في الهند نسبة 13 في المئة، في حين تصل النسبة في الولاياتالمتحدة إلى 56 في المئة، وفق دراسة أجراها فريق من شركة «غوغل» في قسم يسمّى «كوكبنا المتنقّل» Our Mobile Planet. كما يميل الأميركيّون والأوروبيّون إلى التذمّر من الباقات المحدودة التي تقدّمها شركات الاتّصالات للخليوي، وهي غالباً ما تتكوّن من بضعة غيغابايت شهريّاً. وبديهية الإشارة إلى أن الوضع أكثر قتامة بالنسبة لمن يعيش في بلدان يسود فيها استخدام الخطوط المسبقة الدفع. وكخلاصة، ينبغي عدم التركيز على ابتكار تطبيق يفي بمتطلبات نسبة ضئيلة من الجمهور. إذ يشبه ذلك أن يبتكر مصممو السيارات أنواعاً تركز حصريّاً على أفخمها (مثل «فيراري»)، عوضاً عن التفكير بالأنواع الأكثر انتشاراً. من الضروري إيلاء عناية مرتفعة لأنواع الأجهزة التي تستخدمها غالبية الناس. ومثلاً، يعمل تطبيق «تروكولر»، وهو متخصّص في معرفة هوية المتّصلين انطلاقاً من أرقام هواتفهم، بسهولة كبيرة على أجهزة الهواتف الأقل تقدّماً، كتلك التي تعمل وفق نظام «آندرويد» في الهند والشرق الأوسط، بل أنه أكثر سهولة حتى من نُظُم تشغيل تلك الأجهزة. وبالنتيجة، يجب المحافظة ببساطة على جودة التجربة التي يقدّمها التطبيق لمستخدميه، مع الابتعاد عن التطبيقات البطيئة التي تستغرق وقتاً طويلاً في الإقلاع قبل أن تبدأ في العمل. التقارب التقني قبل سنوات، فرض على مُصَنّعي المعدات الأصلية دفع رسوم ترخيص لمطوّري التطبيقات كي يعملوا على تطوير الأجهزة الذكيّة. ثم تغيّر الحال. وحاضراً، يعتبر إبرام شراكة مع مؤسّسات تصنع المعدات الأصلية في الأسواق الغربيّة، بمثابة هدية قيّمة لجميع الأطراف المعنيّة. وكذلك يعتبر من المفيد انضمام مطوّري التطبيقات ممن لا يتمتعون بشعبية كبيرة خارج حدود بلادهم، إلى علامة تجاريّة معروفة محلياً لتكون جسراً يساعدهم في الوصول إلى جمهور واسع. ومن ناحية أخرى، أضحت التطبيقات تتنافس على احتلال موطئ قدم على شاشات الهواتف الذكيّة. وعبر عقد شراكات متينة، تستطيع مؤسّسات تصنيع المعدات الأصلية إضفاء لمسة متميّزة على أجهزة الهاتف المُعدّلة والخدمات الخليويّة والتطبيقات الرقميّة، ما يساهم في إيصالها إلى شبكة واسعة من المستخدمين. ونجح كثير من المطورين في توسيع جمهورهم عالميّاً عبر العمل مع شركات محليّة كبيرة. فمثلاً، ضم هاتف «آشا» المنخفض التكلفة (من «نوكيا»)، زرّاً محدّداً للتطبيق المتخصّص في برنامج التراسل الفوري «واتس آب»، كما وفّر اشتراكاً مجانياً مدى الحياة لجمهور «نوكيا» في الهند. كذلك وسّع برنامج «إيفرنوت» Evernote نموّه الدولي بشكل متسارع عبر توفير سنة كاملة من الخدمات المميزة لجمهور شركة «فيفو» للاتصالات الخليوية في البرازيل. وأبرمت شركة «بابل موشن» شراكة طويلة الأمد مع شركات المحمول الآسيوية، لتزويد الهواتف الأرخص ثمناً بخدماتها. ويعتبر التعاون مع مُصنّعي الأجهزة ومشغلي شبكات الخليوي، عاملاً أساسياً في توسيع حجم الجمهور، والوصول إلى الأسواق النامية عالميّاً. وهناك أمثلة بارزة تدلّ على نجاح التطبيقات الرقميّة عبر جعلها أكثر مرونة وفائدة. إذ لم تصل خدمة «واتس آب» إلى الجمهور بالاقتصار على التوجّه إلى من يحملون الهواتف الأشد حداثة. كما اشترت «غوغل» أخيراً تطبيق «وورد لينس» المتخصّص في الترجمة، بعد أن اكتسب شعبية ورواجاً لأنه لا يتطلب اتصالاً مع الإنترنت! وعلى نحو مشابه، تمكنت خدمة «ريبتل» للمكالمات الصوتيّة عبر بروتوكول الإنترنت، من ابتكار مصدر جديد كلياً للإيرادات عبر وضع تطبيق «سيندلي» على الأجهزة المحمولة، الذي شهد إقبالاً كبيراً في الهند بفضل ميزة تحويل الدقائق من شخص إلى آخر. وتحقّقت استجابة واسعة في ذلك البلد الذي يعتمد على الخطوط المسبقة الدفع. ومن المستطاع القول إن نجاح تطبيق رقمي ما لا يتلخّص في مجرد جعله أكثر تطوراً من منافسيه. يجدر إعادة التفكير بتصميم التطبيقات كي تحصل على قدر أكبر من الانتشار. والأهم من ذلك كله، التأكّد من إجراء اختبار شامل لتحديد النقاط التي تثير غيظ المستهلكين والعمل على تحديدها وحلّها، ما يساعد على تطوّر التطبيق ويسرّع انتشاره. * الشريك المؤسس لشركة «تروكولَر» TrueCaller