صعدتُ السلم الزان ببطء، حالماً، غريباً؟ أسكب أشواقي عبر أسطح منازلنا القديمة خلسة بعيداً من أعين الغرباء. كن خمساً، أكبرهن علياء. نصف شقراء، بشرتها معجونة بحمرة تركية. تركت جلسة الأم في الطابق الثاني. قصدت شقتها في الطابق الأخير، وذكَّرها العطش بأن تبل الريق الجاف من الصنبور الفضي المتدلي كفانوس سحري من قاعدة الثلاجة الإستانلس. واقفة على الدرابزين الماهوجني اللامع. وكأني أشاهد فيلماً رومانتيكياً لا ينقصه إلا رغبتي في ضخ هالات الضباب والأدخنة الزرقاء لكي أبلور رؤيتي تجاه هذا العالم المثير. البنات الأتراك، المولودة كبيرتهن على سطح مركب صقلي رحل من ميناء جنوة فجراً ليتوقف في إسطنبول لساعات قبل منتصف ليل شتوي دافئ، ليعبر البسفور، ومع الاندفاع في الماء كانت علياء تصرخ خارج رحم الأم؛ شاهيناز عثمان الأفندي. يتمدد عالمي. وحيداً كانت وقفتي بعدما خرجت من باب الشوق. تاركاً غرفتي تزقزق فيها عصافير الكناري من داخل ساعة الحائط المعلقة في بيتنا القديم. كن يتسللن واحدة وراء الأخرى في دلال وغنج، تتفرد به كل منهن عن شقيقاتها الأخريات؛ علياء وفاتن ومنال وفاطمة وشيرين. كلهن عبرن عبر فرجة بابي الموارب بحذر. بأرديتهن الحريرية المزركشة. واحدة وراء الأخرى يدخلن إلى شقة علياء. تباعاً يتقافزن على درجات السلم المدهون بطلاء أصفر. وتنادي علياء: كوكو، شوف خالتو طومة. بعيون زرق تفح بخاراً أبيض فواراً، تلف فوق السطح مختالة في الجوب الزرعي الذي يغطي بالكاد نصف الفخذ، وبلوزة بلا أكمام، بلون المشمش، تُظهر استدارة الذراعين والكتف الذي بات يضوي حتى مطلع الفجر، فيما أتحسب أنا دخول أبي فجأة من وراء البالطو الأسود الذي يحجب عني مرقده. حوريات مصطفات، قيل إنهن جئن إلى البلاد قبل نصف قرن واستقر بهن المقام قبالة منزلنا. علياء محمد الأبيض. هذا ما قرأته على باب الأحبة الراحلين؟ الأم تركية ولدت في إسطنبول. أما الأب فهو شركسي يتاجر في الأفيون، أباً عن جد، جاء إلى بورسعيد في العام الثامن والأربعين، وأقام هنا قبالتنا، في شارع الأمل!