جاءت أحداث مصر بعد شهر علي تظاهرات إسطنبول، وبعد تطورات القصير السورية. فهل سقوط الرئيس «الإخواني» هو صنو هزيمة الإسلام السياسي والصحوة الإسلامية؟ لا شك في أن الثورة المصرية عجزت عن بلوغ اهدافها، فرأس النظام تغيّر لكن «جسمه»- الجيش والجهاز القضائي- مازال يحكم مصر. لم يستطع مرسي أن يكون وفياً لأهداف الثورة والصحوة الإسلامية، وانحاز إلي أعداء هذه الصحوة في المنطقة والعالم، أي إلى أميركا وإسرائيل وبعض الدول الإقليمية. ولم يضع حدوداً واضحة لعلاقاته بهذه الدول. أبرزت الأحداث المصرية ثلاثة أنواع من النماذج الإسلامية: الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والإسلام السلفي التكفيري –»القاعدة»-، والإسلام الليبرالي الذي تدعمه أميركا ويمثله حزب «العدالة والتنمية» التركي وحزب «الحرية والعدالة» المصري. والصحوة الإسلامية في المنطقة تيار يرفع لواء «المقاومة الإسلامية»، ولا يُجمع السلفيون و «الإخوانيون» على موقف واحد إزاء الاميركيين والصهيونية. لكن الحكومة الأردوغانية وحكومة مرسي لم تقاطعا جبهة الاستكبار –أميركا وإسرائيل- بل رفعتا لواء سياساتها إزاء سورية و «حزب الله» وفلسطين. في وقت أول، رفعت الأحزاب الإسلامية مواقف ضد الصهيونية، إلا أن الخوف والرغبة في جني الثمار، حملا «الإخوان» الأتراك وجماعة مرسي علي إقامة علاقات سرية مع الكيان الصهيوني، فوقع «الإخوان» الأتراك والمصريون في الفخ الأميركي. لكن الولاياتالمتحدة وبريطانيا وإسرائيل فاجأت أردوغان ومرسي بسحب البساط من تحت أقدامهما. فشل «الإخوان» في قيادة الثورة المصرية، وهذا ساهم في بقاء مراكز القوي التابعة للنظام السابق التي سعت مع الأحزاب العلمانية الغربية الدعم، إلى تشكيل جبهة معارضة واسعة أزعجت الأوساط الإسلامية. وتراجعت الثورة شيئاً فشيئاً، وبرزت ظواهر مملّة، منها محاكمة مبارك البائسة واستهداف ناشطين إسلاميين ومسيحيين والتحالف مع الرجعية (...) وبقيت المشاكل الاقتصادية على حالها فمهدت للثورة علي مرسي. وأوجه الشبه كبيرة بين أحداث مصر اليوم وأحداث ايران في عهد محمد مصدق، عام 1953 . ولم يحل تحالف مرسي مع المثلث الأميركي – الإسرائيلي - العربي، دون طعنه في الظهر. وأعلن مرسي تمسكه باتفاق كامب ديفيد وأعاد سفير مصر إلى إسرائيل، وتوجه إلى شمعون بيريز قائلاً «الصديق العزيز»، وقطع علاقات مصر بسورية. والرئيس «الإخواني» لم يجر أي محادثات رسمية في طهران خلال زيارته إياها للمشاركة في مؤتمر دول عدم الانحياز، ربما من اجل الحصول علي حفنة من الدولارات. لكن النتيجة أن دولاراً واحداً لم يدخل مصر لبناء بيت واحد، ولم تستطع هذه المواقف تليين قلوب أعداء الإسلام والمسلمين. وفاجأ مرسي أميركا وروسيا حين قطع العلاقات بسورية، في وقت يسعى البلدان إلى حل سياسي للأزمة السورية. ووصفُ مرسي الإيرانيين بالروافض، مستهجن. وكانت طهران أول من نبه الثوار المصريين إلى تفادي الغرور والوقوع في مستنقع البساطة في التحليل والتقويم. وفي كانون الثاني (يناير) 2011، حذر المرشد علي خامنئي المصريين من الوقوع في الفخ الأميركي و «الأطلسي»، فالغرب لا يقيم وزناً لمصالحهم. حذرهم من الخوف من الدول الكبري والوقوع في مستنقع الدولارات. وقال خامنئي ل «الإخوان» إن الغرب سيعرض عليهم النموذج التكفيري والإسلام العلماني في مواجهة الإسلام الوسطي المعتدل. وحذرهم من الوقوع في مطب عقيدة ترضي واشنطن ولندن وباريس، ومن مغبة مد اليد للدول الغربية المتسلطة، وافتعال الأزمات مع رفاق الدرب والمسيرة... ويسعى أعداء الأمة إلى إنهاك الشعوب الإسلامية لافساح المجال مرة أخري للمستبدين والديكتاتوريين والعلمانيين ليحكموا عنهم بالنيابة. * كاتب، عن «كيهان» الإيرانية، 8/7/2013، إعداد محمد صالح صدقيان