صادقت الحكومة الإسرائيلية أمس بغالبية 14 وزيراً وامتناع أربعة آخرين، على تعديل قانون «الخدمة الأمنية» لينص على أنه ابتداءً من عام 2016 فصاعداً سيُلزم الشبان المتزمتون دينياً (الحرديم) الخدمة العسكرية أسوةً بسائر اليهود والدروز. وأقرّت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع التعديل، وشرعت في إعداده لطرحه على الكنيست للمصادقة عليه بالقراءات الثلاث. وردّ قادة «الحرديم» على التعديل بحدة واعتبروا يوم إقراره «يوماً أسود في تاريخ إسرائيل»، فيما اعتبره وزير المال، زعيم «يش عتيد» العلماني يئير لبيد «يوماً تاريخياً». وتقضي مسودة التعديل بأنه ابتداءً من عام 2016، سيتم إلزام الشبان «الحرديم» بالخدمة العسكرية أو «المدنية» مع بلوغهم 21 سنة (وليس 18 بداعي تمكينهم من الالتحاق بالمعاهد الدينية)، باستثناء 1800 منهم في كل عام ممن يُعتبرون «متفوقين» في دراسة التوراة ستتاح لهم تكملة دراستهم في المعاهد الدينية. وسيتم فرض عقوبات جنائية على المتهربين من الخدمة، وهو أمر يرفضه وزير الدفاع موشيه يعالون. ومع بدء تطبيق القانون، سيتم خفض أربعة أشهر من فترة الخدمة الإلزامية لجميع المجَندين الممتدة حتى اليوم على ثلاث سنوات. في المقابل، سيتم تمديد الخدمة الإلزامية للفتيات من سنة إلى 16 شهراً. وكانت مسألة إعفاء «الحرديم» من الخدمة الإلزامية في صلب المعركة الانتخابية الأخيرة مطلع العام لحزب «يش عتيد» الذي حمل راية «توزيع العبء بالتساوي»، وهو المطلب الذي نادى به مئات آلاف الإسرائيليين خلال الحركة الاحتجاجية قبل عامين. وبفضل رفع هذا الشعار، حقق حزب «يش عتيد» أكبر نجاح في الانتخابات، وعليه اعتبر زعيمه لبيد إقرار القانون أمس في الحكومة «تغييراً تاريخياً». وكان أركان الدولة العبرية أعفوا فور إقامتها عام 1948 الشبان «الحرديم» من الخدمة الإلزامية بداعي وجوب أن يؤم الشباب المعاهد الدينية. ومذاك الوقت مُنح الإعفاء لكل شاب متزمت دينياً أعلن أن «التوراة هي إيمانه ومهنته». ويصل عدد الشبان «الحرديم» الذين يتم إعفاؤهم سنوياً إلى أكثر من 25 ألفاً. وحيال احتجاجات الأحزاب العلمانية المختلفة على «الإعفاء الجارف» للمتدينين المتزمتين والامتيازات المالية الحكومية التي تحصل عليها المعاهد الدينية، تشكّلت في العقود الأخيرة لجان كثيرة لفحص الموضوع، لكن أياً من الحكومات السابقة لم يجرؤ على تغيير الوضع القائم، خصوصاً أن حزبي «الحرديم» (شاس ويهدوت هتوراه) شكلا دائماً «بيضة القبّان» في الائتلاف الحكومي، فتفادى رؤساء الحكومات المتعاقبة إلغاء الإعفاء من الخدمة، إلى أن تشكل حزب «يش عتيد»، فاشترط بدايةً إخراج هذين الحزبين من الائتلاف الحكومي الحالي، وطرح مسألة تعديل القانون لجهة إلزام «الحرديم» الخدمة شرطاً أساسياً لانضمامه. وحاول رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو أمس امتصاص غضب شركائه السابقين قادة أحزاب «الحرديم» بالإعلان في مستهل جلسة الحكومة أن التغيير سيتم تدريجاً، وأنه سيأخذ في الاعتبار احتياجات «الحرديم»، وقال: «بعد 65 عاماً (على قيام إسرائيل)، نصادق اليوم على خطة توزيع العبء بالتساوي ... هدفنا مزدوج: دمج الشبان الحرديم في الجيش والخدمة المدنية وفي سوق العمل أيضاً»، مضيفاً أنه يولي أهمية قصوى ل «دمج الشبان العرب في إسرائيل، وعليه فالخطة ليست متكاملة بعد، لكن ينبغي الاهتمام بهذه المسألة (تجنيد العرب)». وكان وزراء حزب «إسرائيل بيتنا» الذي يقوده المتطرف أفيغدور ليبرمان امتنعوا عن تأييد القانون لأنه لم يلزم الشبان العرب الخدمة العسكرية أو «المدنية». واعتبر لبيد التعديل تصحيحاً لعدم المساواة في العبء، وقال: «هذا القانون هو لمصلحة جمهور الحرديم والمجتمع الإسرائيلي كله... اليوم نقرّ تغييراً تاريخياً بعد أن أخفقت حكومات سابقة في ذلك». وطالب الكنيست بأن تسرع في إقرار التعديل قبل خروجها إلى العطلة الصيفية أواخر الشهر. وتوقعت أوساط في «يش عتيد» أن تشهد الكنيست جلسات صاخبة لدى التصويت على القانون، محذرة من أن يخضع نواب من أحزاب الائتلاف لضغوط «الحرديم» من أجل تغيير بنود في المسودة المطروحة. من جهته، اعتبر أحد قادة «يهدوت هتوراه»، النائب مئير هاروش إقرار القانون «يوماً حزيناً في تاريخ اليهود الحرديم»، مضيفاً أن «تنكيل الحكومة بالحرديم هو ملاحقة وفظاظة». وهاجم حزب «البيت اليهودي» (الديني الصهيوني كما يعرّف نفسه) على مشاركته الأساسية في «هدم بيت الحرديم». وانتقدت زعيمة «الحركة»، وزيرة القضاء تسيبي ليفني إرجاء تطبيق التعديل لأربع سنوات، «ما يعني تثبيت عدم التساوي في العبء لأربع سنوات أخرى»، لكنها مع ذلك صوتت إلى جانب التعديل. وقال رئيس «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة» النائب محمد بركة أن نتانياهو يريد من تصريحاته أن «يعيد هذه القضية إلى جدول الأعمال تمهيداً لمؤامرة سلطوية جديدة ضدنا كعرب في وطننا». وأضاف: «نؤكد له أن العبء الذي تحملناه على مدى 65 عاماً لا نظير له في العالم، ومن ناحيتنا فإن تقاسم العبء يعني استعادة كل ما سلب منا من أرض وحقوق». وأضاف أن نتانياهو وسدة الحكم من حوله «يعرفون وعلى مدار عقود موقفنا المبدئي والوطني من رفض الخدمة في جيش الاحتلال على مختلف تسميات التورية، مثل خدمة مدنية أو غيرها، لأنه لا يمكننا الانخراط في جيش يقتل شعبنا ويهجره ويحرمه من حقوقه المشروعة». وتابع: «في المقابل، نعرف أيضاً أن المؤسسة الإسرائيلية، خصوصاً العسكرية، لوحت طوال الوقت بالتجنيد فقط من أجل وضع مبررات لسياسة التمييز العنصري التي تنتهجها على مدى أكثر من ستة عقود، «ويبدو أن نتانياهو يخطط للمزيد من القوانين والسياسات العنصرية ضدنا، ويمهد لهذا من خلال التلويح مجدداً بمسألة التجنيد المرفوض».