من بلدته ليستر في بريطانيا، يتجول اليوت هيغينز (34 سنة) يومياً بين مئات من مقاطع فيديو على الإنترنت تتعلق بالحرب الأهلية السورية. بدأ بحثه حين تم تسريحه من عمله أواخر العام الماضي بحيث أصبح خبيراً علّم نفسه بنفسه في مجال أسلحة الصراع الذي يعتبر اطلاع من هم خارجه عليه شبه مستحيل، حيث تشكل جماعات معارضة متباينة بعضها مرتبط بتنظيم «القاعدة» خطوط الإمداد الخاصة بها. وقال هيغينز في مقابلة عبر الهاتف: «أثار الأمر اهتمامي ولم يكن هناك من يقوم بهذا الأمر على ما يبدو». وفي الأشهر القليلة الماضية لاحظ أن مقاتلي المعارضة بدأوا يتلقون أسلحة صينية وكرواتية ومعدات أجنبية أخرى أكثر تطوراً، أبرزها أسلحة مضادة للدبابات والطائرات سعوا إلى الحصول عليها لفترة طويلة. وتوصل خبراء تقليديون اطلع كثير منهم على مدونة هيغينز على الإنترنت إلى الاستنتاج نفسه، لكنهم يقولون إن الإمدادات ليست كبيرة بما يكفي لتغيير دفة معارك مسلحي المعارضة ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد المزودة أسلحة ثقيلة. وقال هيغينز الذي يكتب في مدونته تحت الاسم المستعار براون موزيس: «ما نراه الآن أسلحة لا يمكن الحصول عليها من مخزونات الحكومة أو أن تشترى من المنطقة». وأضاف: «يجب أن تكون قد نقلت بطائرات وتم إرسالها عبر الحدود من الأردن وتركيا». ويعتقد كثيرون أن دولاً خليجية تقوم بعمليات الشراء. ويستحيل التحقق عملياً من صدقية مقاطع الفيديو الخاصة بمقاتلي المعارضة التي تكون رديئة الجودة وتحتوي على علامات قليلة على شن ضربات على أهداف حقيقية، لكن القتال دمر بلدات ومدناً وقتل أكثر من 100 ألف شخص وأجبر الملايين على الفرار. وتهدف بعض مقاطع الفيديو على ما يبدو إلى استعراض الأسلحة الجديدة، وخصوصاً أحدث الأنواع التي وصلت مثل الصاروخ (إتش جيه-8) الصيني الصنع الذي يوجه لاسلكياً. وقبل الإطلاق يجلس مقاتلو المعارضة القرفصاء في هدوء خلف أكوام من الأنقاض أو الأشجار أو المباني مرددين شعارات دينية. وهذا هو أكثر سلاح مضاد للدبابات تطوراً يحصل عليه مقاتلو المعارضة حتى الآن، وهو قادر على اختراق «الدروع التفاعلية» الحديثة التي تستطيع صد الصواريخ الأقدم والأصغر، وإن كان بعض مقاتلي المعارضة اشتكوا من أنه لا يرقى إلى توقعاتهم. وساعدت أنظمة الدفاع الجوي المحمولة (أف إن 6 - مانباد) الصينية الصنع مقاتلي المعارضة على تحسين وضعهم في القتال، وأظهر مقطع فيديو أحد هذه الأنظمة وهو يسقط طائرة هليكوبتر حربية روسية الصنع. وأدى إعلان البيت الأبيض استخدام قوات الأسد أسلحة كيماوية إلى زيادة «الدعم العسكري» الذي لم يتم تحديد ملامحه بدقة خلال الأسبوعين التاليين لهذا الإعلان، ورفض مسؤولون أميركيون التعليق على ما إذا كانت واشنطن نفسها قد أمدتهم بالأسلحة. غير أنه ما من شك في أن الولاياتالمتحدة مشاركة عن كثب في إمداد المقاتلين بالأسلحة من دول أخرى. ولم يشكك مصدر في قطاع الأمن القومي الأميركي طلب عدم ذكر اسمه في أن دولة خليجية ربما توفر قاذفات صواريخ، لكنه قال إن هذا مثار قلق لواشنطن. ومن الممكن استخدام هذه الأسلحة أيضاً ضد طائرات ركاب أو طائرات هليكوبتر أو طائرات عسكرية. وليس واضحاً مصدر هذه الأسلحة على وجه الدقة. وفي ظل استمرار رفض بكين تغيير النظام السوري بدعم خارجي فإن كثيرين لا يعتقدون أنه يمكن شراؤها من الصين مباشرة. ويقول هيغينز: «لا بد أنها تشترى من طرف ثالث. ربما طرف لم يحافظ على هذه الأسلحة في حال جيدة». وأضاف أنه استناداً إلى مقاطع الفيديو فإن معظم الأسلحة الصينية الصنع تذهب مباشرة إلى الجماعات الإسلامية. في الوقت نفسه، يُعتقد أن الأسلحة السوفياتية الطراز المصنوعة في كرواتيا توفرها دولة خليجية أخرى وهي لا تصل تقريباً إلا إلى أيدي «الجيش السوري الحر». ومن بين هذه الأسلحة قاذفات الصواريخ متعددة الفوهات وصواريخ «آر بي جي - 6» و «إم 79» و «إم 60» المضادة للدبابات وصواريخ «آر بي جي - 22» القادرة على اختراق كتل من الخرسانة المسلحة يتجاوز سمكها المتر. ويتفق هذا التقييم مع آراء محللين آخرين، على رغم أن مسؤولين خليجيين كانوا صرحوا بأنه تم تشديد القيود على شحنات الأسلحة. وقال مدير ورئيس قسم الأبحاث في معهد التحليل العسكري للشرق الأدنى والخليج بلال صعب انه «بعد كل الانتقادات التي وجهت إليهم يتوخى الخليجيون الحذر في شأن الجهات التي يرسلون الأسلحة إليها». وفي الشهر الماضي قالت مصادر خليجية ل «رويترز» إن دولة خليجية تتطلع إلى شراء أسلحة فرنسية لإرسالها إلى مقاتلي المعارضة. لكن محللين يقولون إنه لا توجد مؤشرات تذكر على وصولها إلى ساحة المعركة وإن كانت أسلحة فرنسية من الصراع في ليبيا، خصوصاً قاذفات الصواريخ، بدأت تظهر. وحتى قبل الحرب كانت سورية زاخرة بالأسلحة. ويقدر موقع «جان بوليسي دوت أورغ» على الإنترنت ومقره جامعة سيدني، من خلال استخدام بيانات مستقاة من مصادر مختلفة، أن قوات الجيش والشرطة السورية كان لديها أكثر من مليوني قطعة سلاح، فيما يقدر أن هناك نحو 735 ألف قطعة سلاح يرجح أن أغلبها بنادق كلاشنيكوف في أيدي أشخاص خارج أجهزة الأمن. ومن الواضح أن المهربين المحليين مارسوا نشاطهم بكثافة. وأظهرت دراسة لمؤسسة «سمول آرمز سورفاي» نشرت الأسبوع الماضي أن أسعار البنادق والذخيرة ارتفعت بما بين 60 و80 في المئة في لبنان بين شباط (فبراير) وأيلول (سبتمبر) العام الماضي، وأرجعت السبب إلى زيادة الطلب عليها في سورية. وزيادة الطلب على الأسلحة على مستوى المنطقة لإرسالها إلى سورية سر علني، وفرصة ذهبية لتجارة رابحة. وقال عبد الباسط هارون وهو تاجر سلاح ليبي ل «رويترز» الشهر الماضي «يعلمون أننا نرسل أسلحة إلى سورية»، فيما كان يستعرض مخزناً مليئاً بالأسلحة والذخائر في انتظار إرسالها. وأضاف: «الكل يعلمون». أما بالنسبة إلى المدون البريطاني هيغينز، فإن تعقب هذه التجارة تعدى كونه هواية. ويزور موقعه الآن ما بين ألفين وأربعة آلاف مستخدم في اليوم، وبالتالي فإنه جمع من المال ما يكفي ليجعل الموقع محور تركيزه على الأقل حتى نهاية العام. كما بدأ يسدي المشورة لنشطاء حريصين على تعقب حركة الأسلحة في مناطق صراع حالية وسابقة. وقال: «حين تكون هنا لا تشعر بمدى أهمية الأمر... ثم تخرج وتقابل الناس وترى ماذا يعني ذلك بالنسبة إليهم».