حتى خارج إطار العواصف الشعبية والاحتجاجية الكبرى التي تشهدها مصر في هذه الأيام، وإنما غير بعيد منها، تسود حال من الاضطراب مهرجان القاهرة السينمائي الدولي منذ صدور قرار وزير الثقافة الدكتور علاء عبد العزيز بتولي الناقد السينمائي أمير العمري رئاسة الدورة السادسة والثلاثين للمهرجان. وهو الأمر الذي قوبل باستنكار واستهجان من قبل الكثيرين من المثقفين وأهل المهنة من الذين يرون كل قرارات الوزير باطلة لأنه أصلاً مرفوض من جموع الفنانين. وزاد هذا التوتر تأكيد جبهة الإبداع على رفضها التام لهذا القرار معلنة عن نيتها إقامة للمهرجان من خلال المثقفين والفنانين بالاشتراك مع الاتحاد العام للنقابات الفنية وغرفة صناعة السينما الجهة الممثلة لمصر في الاتحاد الدولي للمنتجين السينمائيين بباريس وبالتعاون مع وزارة السياحة. ولقد أعلن هؤلاء أنهم سيطالبون وزارة المالية بتخصيص الدعم للمهرجان مباشرة بعيدا عن وزارة الثقافة. وفي حالة رفض هذا القرار «سنقطع علاقتنا بأي مهرجان تنظمه وزارة الثقافة» بحسب تأكيداتهم. ويرى المخرج مجدي أحمد علي أن الأزمة ليست في شخص أمير العمري، «لكنها تتمثل في وجود وزير يمثل اتجاهاً مظلماً تجاه الفن وفاقداً للشرعية، ولا نعترف به أو بقراراته أياً كانت. وبناءً عليه نرفض قراراته لأنه يكره الفن ولا يعي ماذا تعني كلمة مهرجان سينمائي، فكيف يتحكم في مستقبلنا ونقبل ذلك» وعن تخوفاته حول إقامة الدورة القادمة لمهرجان القاهرة السينمائي، أكد مجدي أن المهرجان لن يصاب بأي أزمات إلا في حالة مرور مصر بعهد الظلام واستمرار الحكم الحالي الذي لن يسمح بوجود أي فن في مصر. حينها لن يختفي المهرجان وحده، لكننا سنشهد سقوطاً لكل أشكال الفن والثقافة المعروفة في مصر». وأضاف مجدي أحمد علي: «ما زلت أملك أملاً في إدراك أمير العمري أنه وقع في فخ بقبوله هذا المنصب، خصوصاً في ظل هذا الظرف الحالي الذي يرفض فيه كل المثقفين هذا الوزير، وإن كنت أنتظر أن تأتي الأيام المقبلة بالتطورات التي ننتظرها بشأن هذا النظام كله، الذي أصبح في مهب الريح». لا تعاون ولا تهاون ومن ناحيته، يرفض الناقد الدكتور وليد سيف أي شكل من أشكال التعاون مع إدارة مهرجان القاهرة السينمائي، في ظل وجود وزير الثقافة الحالي، ويقول: «فوجئنا بالقرار بسبب معرفتنا السابقة بالناقد أمير العمري الذي ينتمي بشكل أو بآخر إلى تيار تقدمي، لذا كنا نتوقع منه أن يكون بجوارنا في خندق المعارضة لهذا الوزير في ظل تلك الظروف الاستثنائية التي تمر بها الحركة الثقافية في الأيام الحالية، وإن كنا نرى في اختيار الوزير له محاولة متأخرة لإنقاذ المهرجان وتجميل صورته المشوهة أمام المثقفين، ولا بد من أن يدرك أن أي تصرف مشابه لن يلقى رد فعل إيجابياً من جانب المثقفين الرافضين تماماً لمحاولاته تغيير ثقافة مصر والعبث بهويتنا الثقافية». أما الموسيقار هاني مهنا رئيس اتحاد النقابات الفنية، فاعتبر أن المهرجان «لا يمكن إسناده إلى شخص لا يملك خبرة في تولي المهرجانات الدولية خاصة أن الشخص المعنيّ، فشل في تولي مهرجان الإسماعيلية الإقليمي، فكيف سيقيم مهرجاناً دولياً وهو لا يملك علاقات خارجية أو دولية تؤهله. مع العلم أنه إذا أقيم المهرجان هذا العام بشكل غير لائق سيفقد مكانته في العالم وسيقاطعه الفنانون المصريون أنفسهم. والغريب أن وزير الثقافة لا يفقه شيئاً عن المهرجان ولا غيره ولم يحضره أبداً، إضافة إلى أن العمري ليس الرئيس الذي سيضيف للمهرجان قيمة على قيمته». في مقابل هذا يرى المخرج داود عبد السيد أنه ليس هناك ما يمنع أمير العمري من قبول إدارة المهرجان في ظل هذه الظروف، «لأنه في النهاية مهرجان مصري يخص السينمائيين وحدهم ولا يمثل وزارة الثقافة، كما أنه لا بد من الفصل بين الحكومة والدولة، فإذا كان المثقفون رافضين للوزير فهذا لا يعني رفضهم للدولة، وإن كانوا أحراراً لو رغبوا في ذلك، وعليه فأنا أرى أن قبول أمير العمري رئاسة المهرجان أمر عادي ومقبول، وإلا فليتوقف جميع الفنانين والمثقفين العاملين بوزارة الثقافة عن تقاضي مرتباتهم من الوزارة انطلاقاً من نفس المبدأ، وإن كنت لا أحب سياسة الانسحاب في مثل هذه المواقف لأنه سينتج منها المزيد من التمكين لهذا الوزير لاتخاذ قرارات معادية للحركة الثقافية والفنية». معارض أبدي! ومن ناحيته، قال أمير العمري الرئيس الذي اختاره الوزير المرفوض لرئاسة مهرجان القاهرة السينمائي، رداً على الاتهامات الموجهة إليه لقبوله الرئاسة: «أنا مثقف كنت ولا أزال مستقلاً معارضاً لكل الأنظمة، في زمن السادات، ومبارك، ومرسى، وسأكون معارضاً للنظام القادم في مصر»، لأنه يرى أن هذه هي مهمة المثقف الذي «لا ينبغي أبداً أن يكون جزءاً من اللعبة السياسية، لذلك فأنا لم أنتمِ إلى أي حزب سياسي، فالمثقف له دور فعال في المجتمع كباحث عن الحقيقة ومقاوم للسلطة، ومناهض لأي توجهات استبدادية، وحتى في ظل نظام ديموقراطي يجب أن يكون دائماً مع الناس وليس مع السلطة أي سلطة. وهذا هو موقفي المبدئي». وأوضح العمري أنه لم يكن مهرجان القاهرة السينمائي أبداً مؤسسة حقيقة تستند إلى أسس راسخة، بل كان يدار بطريقة عشوائية تسببت في الكثير من الفوضى والفساد أيضاً، «عندما عرض عليّ المنصب وضعت شروطاً كثيرة في مقدمتها أن يتحول المهرجان إلى مؤسسة حقيقية تحصل على الدعم المالي من الوزارة مثلها مثل أي مهرجان آخر يقام في مصر ولا يدار بموظفين، بل بمحترفين وهو ما تمت الموافقة عليه وما نقوم به حالياً». وأضاف: «أتفهم تماماً مخاوف المعتصمين في وزارة الثقافة المصرية ومنهم عدد كبير من الأصدقاء الشخصيين الذين يتمتعون باحترامي وحبي وتقديري سواء كمبدعين أو كسينمائيين أو كمثقفين، لكني أحب أن أوضح لهم أن المهرجان سيكون في يد أمينة، في يد شخص منهم كان دائماً مستقلاً لا يبحث عن مناصب أو عن مكاسب، بل وعندما يتعارض المنصب مع الموقف يترك ويفضل الابتعاد عن الساحة. ولقد وضعنا شروطاً من بينها أن تكون لنا كل الاستقلالية في اختيار من يعملون ومن يساعد في وضع شكل للمهرجان وأقسامه واختيار أفلامه وضيوفه وتحديد هويته وهدفه وتوجهه وتغليب الوجه الثقافي الجاد على البهرجة الزائفة والجوانب الخائبة الاستعراضية، وكل ما يتعلق بالجوانب الفنية. وعلى الجهة الإدارية أي الوزارة، أن تقوم بتلبية ما نطلبه. وقد ووفق على كل ما طلبناه ونص على ذلك في التعاقد كتابة، كما حصلنا على صلاحيات واسعة وتعهدات حتى في ما يتعلق برفض تدخل الرقابة على المصنفات الفنية في أفلام المهرجان وقد ووفق على هذا بحماسة للمرة الأولى في تاريخ أي مهرجان سينمائي يقام في مصر». ويشير العمري أخيراً، إلى أنه ربما كان البعض يرى أنه كان من الأفضل أن يغلق المهرجان ويتوقف تماماً عن مسيرته ويتوقف الجميع عن الرغبة في تعديل مسيرته خدمة لأهداف فئات معينة أصبح لها صوت عال في مصر حالياً. وقتها كنا سنسمع الأصوات الناقدة نفسها حالياً، تتباكى على مصير المهرجان وما آلى إليه من تدهور، وتكتفي بالوقوف موقف الذي يوجه الاتهامات من دون أن يملك أن يقدم البديل الحقيقي». وتساءل العمري خاتماً: «هل كان البديل الذي يطرحه المثقفون سيتعامل مع نفسه أم أنه يجب أن يتعامل مع جهاز الدولة المسؤولة عن إنفاق أموال الشعب أو هل كان يجب أن يتوقف المهرجان خدمة لأصحاب نظرية إما أكون أنا أو فلنهدم المعبد فوق رؤوس الجميع؟».