«عدد الكفّار في مصر فظيييع»! الجملة الأكثر تداولاً على ألسنة المصريين وصفحاتهم وتغريداتهم وجلساتهم! المعارضة ووسائل إعلام عالمية تحدثت عن «ملايين» من المصريين نزلوا إلى الشوارع ضد حكم الرئيس محمد مرسي، لكن مؤيدين لحزب «الحرية والعدالة» تحدثوا فقط عن «بضعة آلاف» من المعارضة قالوا إنها لن تستطيع الانقلاب على «أول رئيس مدني منتخب»! «أول رئيس مدني منتخب» هو التوصيف الأقرب إلى ألسنة جماعة «الإخوان المسلمين» - ومن ثم إلى عقول وأفئدة أتباعهم - تحوّل في مصر إلى مصدر للإبداع والتنويع والتنديد بما فعلته الجماعة وحلفاؤها في مصر على مدى 365 يوماً! فقد أثبت، كما يقول معارضون ل «الإخوان»، أنه «أول رئيس مدني طائفي». فبعدما كان أول رئيس مدني انتخبه كثيرون درءاً لخطر عودة النظام السابق، بات كثيرون يرونه الآن «أول رئيس طائفي منتخب» يعمل للتفرقة بين شعبه على أساس الانتماء الديني أو يسكت على الترويع والتكفير نصرة لجماعته. وبعد بيان الجيش أمس، بات كثير من المصريين يقولون إن مرسي يكاد أن يكون قاب يومين من أن يصبح «أول رئيس مدني منتخب ... مخلوع»! وقد خلعت مجموعة من ربات البيوت في حي الدقي باب العمارة ليسهل تمرير عدد من كنبات غرف جلوسهن حيث قمن بتنسيقها متاخمة للرصيف وجلسن عليها يحتسين الشاي والقهوة معلنات خروج «حزب الكنبة» ضد أول رئيس مدني منتخب يُخرج حزب الكنبة من بيته! وأمام البيوت لجأ كبار السن إلى كراسي البحر الخفيفة المطوية حيث جلسوا لتحية المتظاهرين الذين يملأون الشوارع في مسيرات أذهلت القاصي والداني تهتف بعلو الصوت «يسقط حكم المرشد» وإمعاناً في التوكيد تجلجل أصواتها «أيوه أنا باهتف ضد المرشد»! ويمكن القول إن المرشد وحده هو من هدد بإطاحة الرئيس مرسي من على مكانة الصدارة في هتافات المصريين الذين خرجوا على غضبة رجل واحد وامرأة واحدة، وهو ما رآه كثيرون من أبرز العوامل التي تؤكد ضرورة إنهاء حكم الرئيس مرسي الذي لا يحكم فعلياً! وفعلياً لم يكن هناك موطئ لقدم في محيط «قصر الاتحادية» الكبير جداً أو في ميدان التحرير المتسع جداً جداً حيث انتشر «الكفّار» من كل صوب، منهم من انشغل بأداء صلاتي المغرب والعشاء، ومنهم من حمى المصلين أثناء الصلاة، ومنهم من تفكه بأن الجميع سيأكل تماثيل العجوة (التمر) على العشاء كما كان الكفار يفعلون. الفعل الحقيقي الذي يسود مصر حالياً هو الفعل الثوري الذي بدأ في كانون الثاني (يناير) 2011. فالمشهد الذي وصفته رموز جماعة «الإخوان المسلمين» بأنه تجمع للفلول والبلطجية والعلمانيين والثورة المضادة وصنفته جريدة «الحرية والعدالة» بأنه تحرش بالفتيات ورقص هستيري وعنف على منصات «تمرد» والذي وصفه مشايخ الفضائيات الداعمة للجماعة بأنه «فجر وفسوق وخروج على الحاكم الذي هو حرام حرام» كان ضمن الأرقى في تاريخ الفعاليات السياسية في العالم. خروج الجدات والأحفاد، الألتراس والمهندسين، البسطاء والأغنياء، المسلمين والأقباط، المرتدين بولو شيرت «لا كوست» وتي شيرت من «وكالة البلح»، النساء والرجال بالملايين رافعين «كارت أحمر» لعام من «الفشل الذريع» في إدارة البلاد والإصرار العنيد على تفرقة المصريين والصمت الرهيب على «جهاد» التكفيريين والكتيّب العجيب لإنجازات وهمية والمباركة الغامضة لمليونيات التكفير والترهيب أصاب الجميع بالدهشة. دهشة الجماعة وحلفائها أسفرت عن ترنح وتخبط وارتفاع سقف تصريحات الإصرار على إنكار المعارضة والتمسك بحديث المغالبة، فيما أسفرت دهشة المصريين عن نشوة وحماسة وإصرار وارتفاع سقف المطالب الثورية وشد أزر الشباب للشيوخ، والنساء للرجال، والأغنياء للبسطاء وذلك بعدما وحّدت صفوفهم كبسة نهضوية خانقة ومرارة كلامية صارخة ووعود نظرية هلامية وخطوط فارقة جعلت من المواطنين إسلاميين ومصريين! اللافتات المرفوعة في كل مكان معلنة «شتان بين الإخوان والإسلام» أو مؤكدة «أنا مسلم مش إخوان» أو شاجبة «يسقط الإخوان في كل مكان» أو معلنة «الوطن ضد الجماعة» أو متفكهة على باب محل «مغلق من 30 يونيو وحتى زوال الغمة». الغمة التي يشعر بها الجميع في مصر تخف حيناً وتشتد وطأتها أحياناً. زوجة حارس العقار التي جلست تقلب قنوات التلفزيون لتطالع خبر اجتماع الرئيس مرسي مع رئيس الوزراء لبحث استعدادات رمضان خبطت بيدها على صدرها وقالت: «يالهوي! يعني البلد غرقانة تظاهرات وهم يبحثون فوانيس رمضان؟! يا خيبتي. أكيد خبر مضروب». لكن الخيبة هي أن الخبر لم يكن مضروباً! ضرب من نوع آخر يميز اعتصام متظاهري «رابعة» المؤيدين للشرعية والشريعة ومرسي والذين يرددون كلما استيقظوا من النوم هتاف «اضرب يا ريس»، لكن الضرب ليس هو الحل، بل إعادة التحميل. ما يحدث حالياً في مصر هو أنه «جاري إعادة تحميل الثورة. برجاء الصبر»!