ألقى الجيش المصري أمس بثقله في الأزمة التي تشهدها البلاد غداة احتشاد ملايين المصريين في الميادين، وأمهل الرئيس محمد مرسي يومين للاستجابة إلى «مطالب الشعب» وإلا فإنه سيعلن خريطة للمستقبل وإجراءات سيتم تنفيذها بمشاركة كل الأطياف والاتجاهات الوطنية المخلصة بما فيها الشباب، ومن دون إقصاء أو استبعاد. وكانت حركة «تمرد» التي تبنت تظاهرات مطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، استبقت بيان الجيش بإمهال الرئيس المصري إلى اليوم لإعلان تنحيه عن السلطة أو الزحف على قصر القبة، حيث نقل مرسي اجتماعاته إليه، وإعلان العصيان المدني، فيما حض حزب «النور» السلفي، الحليف السابق للحكم، على تقديم «تنازلات مريرة لتجنب إراقة الدماء». وعلمت «الحياة» أن انقسامات في الرؤى حصلت داخل أروقة جماعة «الإخوان المسلمين»، وكشف مصدر قيادي في الجماعة ل «الحياة» أن أصواتاً تعالت داخلها «بضرورة التخلي عن السلطة والاستجابة لمطالب الشارع» من أجل الحفاظ على تماسك «الإخوان» والمساعدة في تهدئة الأوضاع في البلاد. وأشار إلى أن تلك الأصوات «تستند إلى أن استمرار تعنت القيادات سيؤدي بالتبعية إلى تهديد مباشر لمستقبل الإخوان المسلمين، وأن هذا الرأي يشدد على ضرورة أن تتخلى جماعة الإخوان عن السلطة وأن تبتعد عن المشهد خلال الفترة القليلة المقبلة من أجل استعادة شعبيتها في الشارع وتماسكها». وسُئل المصدر عما إن كان الحكم الذي يقوده «الإخوان» يتجه للمناورة عبر تقديم تنازلات تحافظ على وجوده، أقر المصدر الذي رفض ذكر اسمه بأن الموافقة على تنازلات مثل إقالة حكومة هشام قنديل «لم تعد ترضي المحتجين». وتساءل: «ماذا يريدون... مقعد الرئاسة؟.. فليحصلوا عليه.. لم نحصل جراء وصولنا إلى سدة الحكم سوى على متاعب»، قبل أن يستدرك قائلاً: «لا يوجد سيناريو متفق عليه في حال تخلي مرسي عن الرئاسة ... سنعود إلى النقطة الصفر». وبدا أمس أن نظام حكم الرئيس مرسي يتهاوى على وقع الاحتجاجات في الشارع فقدّم خمسة وزراء استقالاتهم من حكومة هشام قنديل تضامناً مع المتظاهرين، وهم وزراء البيئة والمجالس النيابية والسياحة والاتصالات ووزير المرافق ومياه الشرب والصرف الصحي، كما تقدم 8 من نواب مجلس الشورى باستقالاتهم في شكل رسمي. وبعد اجتماع للمجلس العسكري أمس غاب عنه الرئيس مرسي، تم فيه البحث في تطورات المشهد السياسي، خرجت القيادة العامة للقوات المسلحة ببيان شديد اللهجة تضمن هجوماً عنيفاً على السلطة الحاكمة. وأشادت القيادة العسكرية بشدة ب «تظاهرات وخروج شعب مصر العظيم ليعبّر عن رأيه وإرادته بشكل سلمي وحضاري غير مسبوق». وقالت: «لقد رأى الجميع حركة الشعب المصري وسمعوا صوته بأقصى درجات الاحترام والاهتمام». وشددت على أنه «من المحتم أن يتلقى الشعب رداً على حركته وعلى ندائه من كل طرف يتحمل قدراً من المسؤولية في هذه الظروف الخطرة المحيطة بالوطن». وبينما أكد البيان أن القوات المسلحة «لن تكون طرفاً في دائرة السياسة أو الحكم ولا ترضى أن تخرج عن دورها المرسوم لها في الفكر الديموقراطي الأصيل النابع من إرادة الشعب»، حذّر من أن الأمن القومي للدولة «معرض لخطر شديد إزاء التطورات التي تشهدها البلاد وهو يلقي علينا بمسؤوليات كل وفق موقعه للتعامل بما يليق من أجل درء هذه المخاطر». ولفت البيان إلى أن القوات المسلحة «استشعرت مبكراً خطورة الظرف الراهن وما تحمله طياته من مطالب للشعب المصري، ولذلك فقد سبق أن حددت مهلة أسبوع لكل القوى السياسية بالبلاد للتوافق والخروج من الأزمة، إلا أن هذا الأسبوع مضى دون ظهور أي بادرة أو فعل، وهو ما أدى إلى خروج الشعب بتصميم وإصرار وبكامل حريته على هذا النحو الباهر الذي أثار الإعجاب والتقدير والاهتمام على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي». وشدد البيان على أن ضياع مزيد من الوقت «لن يحقق إلا مزيداً من الانقسام والتصارع الذي حذّرنا ولا زلنا نحذّر منه»، وقال: «لقد عانى هذا الشعب ولم يجد من يرفق به أو يحنو عليه وهو ما يلقي بعبء أخلاقي ونفسي على القوات المسلحة التي تجد لزاماً أن يتوقف الجميع عن أي شيء بخلاف احتضان هذا الشعب الأبي الذي برهن على استعداده لتحقيق المستحيل إذا شعر بالإخلاص والتفاني من أجله». وأضاف البيان: إن «القوات المسلحة تعيد وتكرر الدعوة لتلبية مطالب الشعب وتمهل الجميع 48 ساعة (أي يومين) كفرصة أخيرة لتحمل أعباء الظرف التاريخي الذي يمر به الوطن الذي لن يتسامح أو يغفر لأي قوى تقصّر في تحمل مسؤولياتها»، ملوحاً بالتدخل في حال عدم الاستجابة قائلاً: «إذا لم تتحقق مطالب الشعب خلال المهلة المحددة فسوف يكون لزاماً عليها (قيادة الجيش) استناداً إلى مسؤوليتها الوطنية والتاريخية واحتراماً لمطالب شعب مصر العظيم أن تعلن عن خريطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها وبمشاركة جميع الأطياف والاتجاهات الوطنية المخلصة بما فيها الشباب الذي كان ولا يزال مفجراً لثورته المجيدة... ودون إقصاء أو استبعاد لأحد». وكانت حركة «تمرد» التي تقود التظاهرات في الشارع أصدرت بياناً أعلنت فيه أن محمد مرسي «لم يعد رئيساً شرعياً للبلاد»، وطالبت أعمدة مؤسسات الدولة - الجيش والشرطة والقضاء - أن «تنحاز بشكل واضح إلى الإرادة الشعبية»، كما شددت على أنه «لم يعد بالإمكان القبول بأي حل وسط ولا بديل عن الإنهاء السلمي لسلطة الإخوان والدعوة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة». وأمهلت الحركة الشبابية الرئيس مرسي حتى مساء اليوم (الثلثاء) لمغادره السلطة حتى تتمكن مؤسسات الدولة من الاستعداد لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وإلا سيتم الزحف على قصر القبة الرئاسي والاحتشاد في الميادين المصرية مع إعلان بداية عصيان مدني شامل من أجل تنفيذ إرادة الشعب المصري. وكان رئيس حزب «النور» السلفي يونس مخيون دعا الرئيس محمد مرسي إلى تقديم تنازلات لتجنب إراقة الدماء، وعرض القيام بدور الوساطة مع المتظاهرين، منبهاً إلى أن سقوط مرسي «سيكون ممكناً ما لم يقدم تنازلات». وقال مخيون: «يتعيّن تقديم تنازلات حتى إذا كانت صعبة ومريرة لحقن دماء المصريين، نخشى من حصول تصعيد يصعب التحكم فيه ويكون الصوت الأعلى في الشارع هو صوت السلاح». وشدد مخيون على إنه لم يعد بإمكان مرسي «اجتياز الاحتجاجات ببساطة مثلما حدث في السابق». وطالب رئيس حزب مصر القوية الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، في كلمة مسجلة، الرئيس مرسي بتقديم استقالته «تجاوباً مع الإرادة الشعبية للملايين، التي قدمت استفتاءً على عدم استمراره في السلطة». وأضاف موجهاً حديثه إلى مرسي: «لحظات العقل والرشد مهمة في تاريخ الأوطان، ومسؤوليته هي احترام الإرادة الشعبية التي عبّرت عن نفسها، وحفاظاً على سلمية الأداء».