قابلتُ قبل سبعة أعوام ديبلوماسياً برازيلياً شاباً، وأردتُ مجاملته بالحديث عن منتخب السامبا الذي يعتبره الناس «منتخب من لا منتخب له»، وتأسفت أمامه للخروج المر لرفاق رونالدينيو من مونديال 2006، وما أن أنهيتُ كلامي معتقداً أن الديبلوماسي سيبادلني المشاعر نفسها، وجدته يبتسم في وجهي، ويقول لي: «هل تعتقد سيادتك أن كل البرازيليين يحبون الكرة، مخطئٌ من يعتقد هذا، إن جزءاً كبيراً من الشعب البرازيلي يكره هذه اللعبة، لأنها لم تنجح في تغطية حال الفقر التي يعانيها، والوضع الاجتماعي الصعب الذي تمرُّ به فئات كثيرة منه، بل إنهم ينظرون إلى امتيازات كبرى يجنيها لاعبو الكرة، صورة من صور الثراء الذي لا يحترم أحياناً القانون، فالكرة ليست دائماً على حق». وأضاف قائلاً: «هناك رياضات أخرى غير كرة القدم تجذب البرازيليين، كسباق السيارات، والكرة الطائرة، وألعاب الشواطئ، وبالتالي فلا جدوى من تعميم محبة البرازيليين لكرة القدم، بل إن بعضهم يغلق الأبواب والنوافذ أيام المونديال، حتى لا يزعجوا أنفسهم بسماع أخبار تزيدهم قلقاً ونفوراً». فاجأني هذا الكلام، ونشرته في مقالة بعد يومين، واعتبرته جديداً عليّ، أنا الذي أزعمُ أنني أتابعُ جيداً أخبار الكرة في العالم، ولكن الحقيقة ظهر جزءٌ منها أيام الرئيس لُولا دا سيلفا، حين راحت الصحف تكتب عن الفساد في برامج إنجاز ملاعب المونديال، لكن كاريزما لُولا غطّت على تلك الأخبار، بينما لم يتوقف روماريو، البرلماني لاحقاً، عن التنديد بمظاهر السرقة، ونهب المال العام، تحت غطاء ضرورة إنجاز الملاعب في وقتها، حتى لا تكون البرازيل عرضة لانتقاد «فيفا»، هذه الهيئة التي اتهمها روماريو بأنها شريك في تفقير الشعب البرازيلي، ولم يعد مع انفجار الوضع تزامناً مع احتضان البرازيل كأس القارات مجال للقول بأن الكرة هي كل شيء في بلد السامبا، وصدق السفير بعد سبعة أعوام. البرازيليون أبانوا أيضاً عدم ثقة في أنفسهم ومنتخبهم، بدليل أنهم استخدموا كل الوسائل النفسية وغير الأخلاقية، لإخراج إسبانيا من المنافسة، حتى لا يواجهه رفاق نيمار في النهائي، فأثاروا موضوع السرقة ثم المومسات، ولكنهم لم ينجحوا في ثني رفاق إنييستا عن بلوغ المباراة التي كانت تأملها الرئيسة ديلما، حتى يلتف الشعب حول منتخبه، وينسى حراك الشارع قليلاً، لكنها أيضاً تخشى أن ينهزم السحرة في ماراكانا، ولن تنفع عصي الشرطة وخراطيم المياه في وقف الاحتجاجات المتواصلة، والتي تنذر بانفلات قد يرهن المونديال المقبل في المجهول، خصوصاً بعد أن أيّد كبار الكرة في البرازيل، مثل بيليه وريفالدو وروماريو ونيمار وغيرهم مطالب المحتجين، ونددوا بالفساد المستشري في جسم مؤسسات البلد الذي كلما ازداد تطوراً زادت مع الفجوة بين الأثرياء والمسحوقين في شوارع ريو دي جانيرو. وتساءلتُ بعد أن رأيتُ ما يحدث في البرازيل، يشبه كثيراً ما حدث في تركيا حين لجأ أردوغان إلى اقتراح تنظيم استفتاء لسكان إسطنبول، فيمَ إذا كانوا يريدون البقاء على حديقتهم كما هي أم يؤيدون بناء مجمع تجاري كبير، لتفادي انزلاق أوسع للشارع، فهل ستقترح الرئيسة ديلما روسيف تنظيم استفتاء للشعب البرازيلي، إن كان مع البقاء أم إلغاء تنظيم مونديال 2014 على أرضه؟ مجرد فكرة قد تغيّر تاريخ الكرة في البرازيل والعالم. [email protected]