أطلق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أمس تصريحات صبّت في اتجاه رغبته في التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين ب «شروط إسرائيلية صارمة»، وذلك قبل ساعات قليلة من استقباله في مكتبه في القدسالمحتلة وزير الخارجية الأميركية جون كيري الذي وصل إلى المنطقة في الزيارة الخامسة منذ آذار (مارس) الماضي للبحث في سبل استئناف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وقال نتانياهو، في كلمة ألقاها في الذكرى السنوية لوفاة «واضع حلم الدولة العبرية» مؤسس الحركة الصهيونية زئيف هرتسل، إن إسرائيل راغبة في تحقيق السلام «لأنها لا تريد دولة ثنائية القومية»، لكنه أضاف أن أي اتفاق سلام يجب أن يكون مستنداً إلى الأمن «وليس لرغبة طيبة» لتحقيقه. في الوقت ذاته نقلت صحيفة «هآرتس» عن وزير كبير في الحكومة الإسرائيلية قوله إن نتانياهو سيكون مستعداً للانسحاب من 90 في المئة من أراضي الضفة الغربيةالمحتلة منذ عام 1967 وإخلاء مستوطنات خارج الجدار العازل في حال تم التجاوب مع الشروط الإسرائيلية لوضع ترتيبات أمنية صارمة على رأسها بقاء الجيش الإسرائيلي في غور الأردن (حتى من دون سيادة إسرائيلية رسمية فيه) لسنوات طويلة، وموافقة الفلسطينيين على بقاء الكتل الاستيطانية الكبرى تحت السيطرة الإسرائيلية. وأضاف أن إسرائيل تريد السلام «لأننا نريد العيش بسلام، ولا نريد دولة ثنائية القومية... لكننا لا نوهم أنفسنا بأنه مع تحقيق هذا السلام سيكفّ أعداؤنا عن الطعن المنفلت بدولة اليهود». وشدد على أنه من دون وضع ترتيبات أمنية «لن نتمكن من الدفاع عن أنفسنا في حال فرط السلام، وأعتقد أنه هذا ما تفهمه غالبية الإسرائيليين، وهو ما فهمه هرتسل جيداً، ونحن جدّ أوفياء لرؤيته». واتفق «رئيس الدولة» شمعون بيريز مع نتانياهو في رفض الدولة «ثنائية القومية» التي ستنشأ في حال واصلت إسرائيل رفض إقامة دولة فلسطينية، وقال إن «فكرة الدولة ثنائية القومية تتنافى وروح رؤية هرتسل وتشكل خطراً على الطابع اليهودي والديموقراطي لدولة إسرائيل». وقال إن هرتسل «تحدث عن دولة اليهود وليس عن دولة يهودية... وكي تتحقق رؤيته يجب ضمان غالبية يهودية تتحقق من خلال منح الفلسطينيين دولة خاصة بهم». ورحب بيريز بالوزير الأميركي مضيفاً أن إسرائيل ستساعده من أجل أن تتكلل مساعيه بالنجاح بداعي أن ثمة فرصة سانحة حقاً لاستئناف العملية التفاوضية «ولا ينبغي تفويتها». وكانت صحيفة «هآرتس» نقلت في صفحتها الأولى عن وزير كبير في «ليكود» قوله إن نتانياهو يؤمن أنه من أجل التوصل إلى اتفاق سلام سيتعين عليه الانسحاب من أكثر من 90 في المئة من الضفة الغربية وإخلاء عدد غير قليل من المستوطنات، في مقابل وضع ترتيبات أمنية يطالب بها في مقدمها بقاء الجيش الإسرائيلي في غور الأردن لفترة طويلة». مضيفاً أن مسألتي الترتيبات الأمنية والحفاظ على الكتل الاستيطانية الكبرى تحت السيادة الإسرائيلية ستكونان في صلب المفاوضات مع الفلسطينيين في حال استئنافها، بالإضافة إلى شرط أن تكون الدولة الفلسطينية التي ستُقام منزوعة السلاح. وتابع الوزير الذي طلب عدم الكشف عن اسمه إن نتانياهو «ليس واثقاً من وجود شريك فلسطيني» وأنه ليس مقتنعاً بأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) يرغب باستئناف المفاوضات على قدر ما يرغب هو باستئنافها. وأردف أن نتانياهو يريد مفاوضات لمدة عام لكنه يخشى أن يفجرها الفلسطينيون بعد أسابيع من استئنافها. وزاد أنه على رغم التشدد داخل الائتلاف الحكومي لكن نتانياهو مقتنع بأنه قادر على حشد غالبية وزرائه لدعم استئناف عملية سياسية مع الفلسطينيين، فضلاً عن دعم حزب «العمل» المعارض لذلك. وعقب وزير العلوم من حزب «يش عتيد» يعقوف بيري على الخبر بقوله للإذاعة العسكرية إن ثمة «رياحاً جديدة تهب، إذ أن نتانياهو يدرك أن لا بد من إخلاء مؤلم لمستوطنات» في اتفاق سلام مع الفلسطينيين وأنه سبق أن قال إنه سيخلي بعض المستوطنات التي لا تلتقي جغرافياً مع الكتل الاستيطانية الكبرى التي ستبقيها إسرائيل تحت سيطرتها. وأضاف أن هذه الرؤية قد لا تحظى بدعم كبير من وزراء الحكومة لكنها تحظى بتأييد غالبية النواب في الكنيست وغالبية الشارع الإسرائيلي. وقال عميد «بنك إسرائيل» ستانلي فيشر انه كان في وسع إسرائيل أن تبذل جهداً أكبر من أجل التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، «وعلينا أن نساعد الشركاء الفلسطينيين في إقامة الدولة التي يريدون، وبالإمكان التوصل إلى سلام إذا أخذنا في الاعتبار أن أي اتفاق سلام سيضمن بقاء التكتلات الاستيطانية تحت سيطرتنا في مقابل تعويض الفلسطينيين بأراض بديلة». من جهتها قالت النائب من المعسكر المتشدد في «ليكود»، تسيبي حوتيبيلي إن «ليكود دُمر ذات مرة على يد أريئل شارون بسبب الانفصال عن قطاع غزة، لكننا لن نسمح بأية خطة مشابهة أن تدمر الاستيطان اليهودي... لن تحظى خطوة كهذه بأي دعم حزبي أو وطني». ولفت معلقون إلى أن أي خطوة لنتانياهو نحو استئناف المفاوضات ستصطدم بمعارضة قوية من شريكه في تحالف «ليكود بيتنا» وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان الذي كرر اتهاماته لعباس بأنه يريد استئناف المفاوضات من أجل تفجيرها واتهام إسرائيل بذلك. كما ستلقى الرفض من الجناح المتشدد في «ليكود» الذي تعزز نفوذه مع انتخاب نائب وزير الدفاع المتطرف داني دانون رئيساً لمؤتمر الحزب.