أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أمس أن اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل «دولة قومية للشعب اليهودي» سيشكل قاعدة لاتفاق سلام معهم، بينما أكدت أوساطه أنه سيطرح هذه المسألة وأولوية بحث مسألة الترتيبات الأمنية على جدول أعمال الجولة الثانية من المفاوضات في شرم الشيخ غداً. إلى ذلك، لمّح نتانياهو في اجتماع وزراء حزبه «ليكود» إلى أن ثمة «خيارات أخرى» لحل قضية البناء في مستوطنات الضفة الغربية، عدا مواصلة تعليقه أو استئنافه. ودعا نتانياهو في تصريحات قبل بدء الاجتماع الأسبوعي لحكومته أمس، الفلسطينيين إلى الاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي، وقال: «نعيش على قطعة الأرض ذاتها. نقول أن الحل يجب أن يقوم على أساس دولتين قوميتين للشعبين، واحدة قومية يهودية وثانية قومية فلسطينية، لكن يؤسفني أنني لا أسمع من الفلسطينيين جملة دولتين للشعبين ... يتحدثون عن دولتين، ولا أسمع كلمة للشعبين». واقتبس من أقوال رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول ديفيد بن غوريون عند قيام الدولة العبرية عن أن الدولة اليهودية ستمنح المساواة أيضاً لمواطنيها غير اليهود، وقال إن «الأساس هو اعتراف بالدولة القومية للشعب اليهودي ... هذه أيضاً القاعدة الرئيس لنهاية المطالب. بالضبط، كما نريد نحن الاعتراف بدولة قومية للفلسطينيين، نريد ونتوقع من الفلسطينيين أن يعترفوا بنا دولة يهودية. هذه هي القاعدة الحقيقية للسلام». وتابع أنه يمكن التوصل إلى «اتفاق إطار» خلال عام «لكن الأمر مرهون بالفلسطينيين». وزاد: «أعتقد أنه في حال ثابرت السلطة الفلسطينية في مفاوضات متواصلة، على رغم كل العراقيل لدى كل من الطرفين، وفي حال أبدت جدية وعزيمة مثلنا من أجل التقدم، سيكون ممكناً التوصل إلى اتفاق إطار يشكل أساساً لاتفاق سلام». وتجنب نتانياهو في تصريحاته التطرق إلى مسألة تعليق البناء في مستوطنات الضفة الغربية الذي تنتهي مدته نهاية الشهر الجاري، كما تفادى التعليق على دعوة الرئيس باراك اوباما إسرائيل الجمعة الماضي الى «تمديد قرار تجميد الاستيطان طالما تجرى مفاوضات مباشرة بناءة مع الفلسطينيين»، لكن صحيفة «يديعوت أحرونوت» أفادت على موقعها على الإنترنت أن نتانياهو لمح خلال اجتماعه الأسبوعي بوزراء حزبه «ليكود» الذي يسبق اجتماع الحكومة، إلى إمكان إيجاد حل لمسألة البناء من خلال الاتفاق الضمني غير المعلن على استئناف جزئي للبناء في عدد من المستوطنات. ونقلت الصحيفة عن مشاركين في الاجتماع إن نتانياهو رد على الوزراء الذين طرحوا الموضوع بالقول إن «الحديث هنا عن كل شيء أو عن لا شيء، (أي إما استئناف البناء أو مواصلة تجميده)، لكن توجد أيضاً خيارات مرحلية». وقال: «نهاية الشهر ينتهي مفعول أمر تجميد البناء ... ثمة احتمال لبناء ممكن ل 19 ألف وحدة سكنية جديدة، لكنني أعتقد أن ما سيتم بناؤه فعلياً أقل بكثير، وعلينا أن ندرس الأمور بحكمة. لن نقبل إملاء بعدم البناء أبداً، لكن بين الصفر (لا شيء) و10 (بناء كامل) هناك خيارات أخرى». وأضاف أنه يرفض المقاربة الفلسطينية القاضية بأنه من دون تجميد تام سيتركون المفاوضات، وقال: «المجتمع الدولي ينظر إلى مسألة تجميد الاستيطان كامتحان لمدى جدية نياتنا، لكن نحن أيضاً نضع الفلسطينيين تحت اختبارات أخرى، مثل اعترافهم بيهودية الدولة». وفهم الوزراء من كلام نتانياهو أنه يقصد استئناف البناء جزئياً، ربما كما يقترح الوزير دان مريدور بحصر استئناف البناء في التجمعات الاستيطانية الكبرى التي تطالب إسرائيل بضمها إليها في مقابل تعويض الفلسطينيين بأرض بديلة، ومواصلة التجميد في المستوطنات النائية، أي القابعة في قلب الضفة الغربية المرشحة للتفكيك في إطار الحل الدائم، علماً أن نتانياهو اقترح في قمة واشنطن الأخيرة إبقاء هذه المستوطنات داخل الدولة الفلسطينية، على أن يكون المستوطنون مواطنين إسرائيليين. واختلف وزراء «ليكود» حول هذه المسألة، إذ تؤيد الغالبية استئناف البناء فوراً غداة انتهاء فترة التعليق، كما قال الوزير بيني بيغين خلال الاجتماع، مضيفاً أن المسألة لا تستوجب إعادة بحثها لأنها محسومة، «وتعليق البناء سينتهي بحسب ما حددته الحكومة». وقال وزير المال القريب من رئيس الحكومة يوفال شتاينتس إن هذه المسألة «ليست هي العقبة في طريق السلام إنما الرفض الفلسطيني»، معتبراً دعوة الرئيس الأميركي إسرائيل إلى مواصلة تجميد الاستيطان، «توصية» لا قراراً. وأضاف أن قرار الحكومة انتهاء فترة تعليق البناء أواخر هذا الشهر «ما زال قائماً ولم يتغير». في المقابل، قال الوزير ميخائيل ايتان إنه يجدر الأخذ في الاعتبار «موقف المجتمع الدولي من استئناف البناء»، مضيفاً أن أي قرار باستئنافه يجب بحثه في الحكومة وفقاً للأهداف الجديدة لإسرائيل، المختلفة عن تلك من السنوات السابقة. ويؤيد هذا الموقف وزراء حزب «العمل» الوسطي، وقال الوزير يعقوب هرتسوغ إن اجتماع شرم الشيخ «يعقد ليس من أجل إطلاق تصريحات رنانة إنما من أجل اتخاذ قرارات حاسمة» و«يجب اتخاذ خطوات حقيقية من أجل مواصلة المفاوضات، وإذا ما استدعى الأمر مواصلة تعليق البناء في أماكن معينة، ينبغي فعل ذلك». ويحظى الموقف المتشدد لغالبية وزراء «ليكود» بدعم سائر الشركاء في الائتلاف الحكومي من اليمين الأكثر تطرفاً وقادة «المستوطنين». وقال رئيس حركة «شاس» الدينية المتشددة نائب رئيس الحكومة ايلي يشاي إنه «ينبغي على إسرائيل أن تواجه الحقيقة لا أن تدفن رأسها في الرمال كالنعامة ... أنا جداً متشكك ولا أؤمن أن الفلسطينيين يريدون مفاوضات سياسية. إنهم يبحثون عن الذرائع وغير قادرين على التقدم حتى بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية». وأضاف: «أحياناً يتذرعون بتجميد البناء وأخرى بوقفه في القدس، أو حجج أخرى ... ليتوصلوا أولاً إلى سلام داخلي مع حماس ثم يأتوا للحوار معنا». وطالب يشاي الفلسطينيين ب «وقف التحريض على إسرائيل في المدارس»، متناسياً الانفلات العنصري قبل أسبوعين لزعيمه الروحي الحاخام عوفاديا يوسف ضد الفلسطينيين والعرب، ودعوة الله أن ينزل عليهم «ضربة الطاعون». ويرجح مراقبون أن يحاول نتانياهو التوصل إلى اتفاق هادئ مع الأميركيين يقبل به الفلسطينيون ويقضي بمواصلة تعليق البناء جزئياً ولفترة محددة من دون الإعلان عن ذلك رسمياً تفادياً لهزّات قد تتعرض لها حكومته. وقالت مصادر خبيرة بالعلاقات بين واشنطن وتل أبيب إن تصريح اوباما يتيح لنتانياهو مواصلة البناء في بعض المستوطنات «لكن ليس في المناطق الحساسة»، أي تلك التي على حدود الجدار الفاصل الذي أقامته إسرائيل. لكن أوساطاً أخرى قرأت تصريحات اوباما في شكل مغاير، واعتبرتها رسالة إلى نتانياهو تقول إنه في حال فجّر الفلسطينيون المفاوضات على خلفية البناء في المستوطنات، فإن الولاياتالمتحدة «ستتفهم خطوتهم ولن تحمّلهم المسؤولية عن القضاء على العملية السياسية». وبثت عناوين وسائل الإعلام العبرية أمس تشاؤماً لجهة إمكان أن تسفر الجولة الثانية من المفاوضات في شرم الشيخ غداً عن تقدم «حيال الاختلاف الشديد على جدول الأعمال». وأبرزت، في ما بدا تسريباً من أوساط نتانياهو، أن الأخير سيطالب بأن يتمحور جدول الأعمال في قضيتي «يهودية إسرائيل» و«أولوية الأمن» لا في مسألة الحدود كما يطالب الفلسطينيون. وأضافت أن نتانياهو يرى ان مسألة الحدود مشتقة من الترتيبات الأمنية ولا يجوز بحثها قبل الانتهاء من حل قضية الأمن. وذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم» القريبة من رئيس الحكومة أن «أجواء الأزمة» هي التي دفعت بوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون والموفد الخاص جورج ميتشل إلى القدوم إلى شرم الشيخ للمشاركة في المفاوضات. وأضافت أن كلينتون وميتشل سيرافقان نتانياهو في عودته إلى إسرائيل ليلتقيا به مجدداً بعد غد. وأشارت إلى أنه لم يُعرف بعد ما إذا ستتم دعوة الرئيس محمود عباس (أبو مازن) إلى منزل رئيس الحكومة الإسرائيلية في القدسالمحتلة للمشاركة في مواصلة المفاوضات.