على امتداد شاطئ رأس التين في حي الجمرك القديم بالإسكندرية، تصطف مئات الفلوكات الصغيرة المزركشة، والقوارب الصغيرة والكبيرة المزينة بأشكال النوارس والإعلام والتي يملكها صيادون بسطاء جنباً إلى جنب مع زوارق الهواة الملونة السريعة، وعدد غير قليل من اليخوت العملاقة والتي يملكها أثرياء المدينة لتعكس صورة هزلية شديدة الواقعية والتناقض للفجوة المذهلة بين طبقات المجتمع المصري. وعلى رغم الأزمة الاقتصادية في مصر، ما زالت صناعة اليخوت قائمة بالإسكندربة، إلا أنها مثلها مثل كل الصناعات باتت تعاني بطئاً وركوداً كبيرين وفق الصناع في المنطقة. تحفل منطقة الجمرك بعشرات الورش المتلاصقة ذات الألوان الزاهية والخاصة بصناعة اليخوت والقوارب يدوياً، ويطل من على جانبي الشارع الرئيس بجوار حلقة الأسماك الكثير من الأكشاك والمباني القديمة من بينها ورش الحدادين والنجارين وعمال الكهرباء والطلاء. وحشدت محافظة الإسكندرية فنانين لتجميل هذه الورش لكي تكون مظهراً حضارياً تراثياً شاهداً على استمرار صناعة عريقة تحارب بقوة لكي تستمر. حمدي الدجيشي، صاحب أقدم ورش تصنيع اليخوت في الإسكندرية، وعائلته من أوائل من أرسوا قواعد صناعة السفن في الإسكندرية من أيام محمد علي، بعدما نزحوا من الصعيد، حيث يمثل الدجيشي الجيل الرابع من العائلة التي تحمل شهادات وكتيبات من محمد علي توثق ريادتهم. يقول الدجيشي: «تعمل غالبية سكان المنطقة في حرفة صيد الأسماك وصناعة القوارب واليخوت التي تعد من أكثر الصناعات رِفعة من حيث التصميم والكلفة، وهي دليل على قدرات الحرفي الذي صنع عمله هذا التقليد المتوارث». وعن عملية تصنيع اليخت يوضح أن التكاليف تتوقف على حجمه وتجهيزاته وتقنيته الفائقة، ويبدأ الرقم من مئة ألف دولار، لافتاً إلى أن هذه الصناعة تبدأ بالتصميم لدى مكاتب هندسية ويستغرق بناء اليخت من ستة أشهر إلى سنة ونصف السنة، وفق حجم اليخت وقوته. ويروي أن بداية تصنيع اليخوت الحديثة كانت في أربعينات القرن الماضي، حين كان الحرفيون المحليون يعملون مع إيطاليين ويونانيين وتعلموا منهم أسرار المهنة. ويلفت إلى أن أشهر من امتلك اليخوت عبود باشا صاحب أول توكيل ملاحي في مصر، وكوكب الشرق أم كلثوم التي امتلكت يختاً عام 1945 وكانت تستخدمه في التنزه: «صنعنا يختاً للرئيسين عبدالناصر والسادات ولعدد من المشاهير، منهم شريفة فاضل وعائلة ساويرس». ويقول الريس خميس: «لا تصنع اليخوت الخشبية إلا في الإسكندرية واليونان وتركيا. وثمة دول كثيرة تستعين بالعمالة المصرية التي تتميز بالدقة والمهارة. وقد وصلت شهرة الصناعة المصرية إلى اليونان وقبرص وإنكلترا وجنوب أفريقيا والكويت والسعودية»، مؤكداً أن الطلب ارتفع على صناعة اليخوت بعد إقامة منتجعات سياحية كبرى في شرم الشيخ والغردقة، فمنتجع بورتو مارينا فيه مرسى يخوت عالمي يضم أكثر من 1400 يخت، وهو أكبر ميناء لليخوت في أفريقيا. ويؤكد خميس أنه يخشى على هذه الصنعة من الانقراض بسبب هجرة الأيدي العاملة وعدم وجود ضمانات تحفظ المهنة وتتيح لها الاستمرار والازدهار.